مقالات

الإعلامُ وتحدياتُ اللُّغةِ:د. فهد بن سالم المغلوث

اللغة –كما ذكرها الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين)-  تبدأ من الناطقين عندما تخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني، واشتقوا لها من كلام العرب تلك الأسماء، وهــم اصطلحـوا علـى تسميـة مـا لــم يكن لـه في لغة العـرب اسـم، فصاروا في ذلك سلفًا لكل خلف، وقدوة لكل تابع، والجاحظ –كما نعلم- صاحب النظرية العامة (المعرفة تحدث طباعًا)، فإذا قارنا بين هذا وذاك نجد أن اللغة متطورة تنتقل من لغة الخلف إلى لغة السلف، وهذا يكشف أن اللغة لها مستويات؛ لأن التاريخ له متغيراته، وأحداثه متطورة؛ ولأن التراث له محددات متداخلة، كما يظهر هذا أن اللغة المنطوقة هي إلهام من رب العالمين ثم اصطلاح البشر على وضعها بإلهام من الله.

وكل علم مرتبط في المجتمع فهو متفاوت؛ لأنه من صنع هذا المجتمع، وهذا المجتمع له ثقافاته المتنوعة، وله تقاليده وعاداته وقيمه التي تختلف من طبقة إلى أخرى، وبما أن اللغة مرتبطة بالمجتمع فقد ألصق اللغويون اللغة بمعطيات المجتمع، قال ابن جني في تعريف اللغة: هي (أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم) فهي لغة اجتماعية تواصلية تفاهمية تعبيرية إذن هي لغة إعلامية.

 واللغة المنطوقة هي الأصل والمكتوبة فرع عنها، وهي الأسبق، وبما أن اللغة رمز فرمزها النطق والكتابة رمز لذلك الرمز، وعرفت في الموسوعة البريطانية: نظام من الرموز الصوتية، وتعريفها في دائرة المعارف الأمريكية: نظام من العلامات الصوتية الاصطلاحية، وذكر جسبرسن “أن اللغة ينظر إليها عن طريق الفم والأذن، وليس عن طريق القلم والعين”.

وبما أن اللغة هي اجتماعية كما ذكر الخفاجي في سر الفصاحة عند حديثه عن اللغة بأنها: “عبارة عما يتواضع القوم عليه من الكلام”، وقال ابن خلدون في مقدمته: “عبارة المتكلم عن مقصوده”, فهي إعلامية؛ لأنها تنطلق من طبقات المجتمع وعاداته وتقاليده ومستوياته كقول (دي سوسير): اللغة تتمحور بمستويات هي:

1 – نتاج اجتماعي لملكة لسانية.

2 – مجموعة من التقاليد الضرورية التي تبناها المجتمع.

3 – تساعد أفراد المجتمع على الاستفادة من هذه الملكة، ويكشف ذلك بوضوح العلاقة بين اللغة والمجتمع، فهي علاقة تبادلية، إذ تتشكل اللغة من المجتمع، والمجتمع يتشكل من اللغة.

ومن هنا أرى أن اللغة الإعلامية هي اللغة في علاقاتها الاجتماعية، أو اللغة الثالثة بين الفصحى والعامية التي تواكب التطور الاجتماعي والمعرفي لبنية الحضارة لكنها لا تخرج عن الفصحى، بل هي مستوى من مستوياتها، وتتشكل اللغة الإعلامية من خلال مستوى المتلقين، حيث نجد أن (المستوى العلمي) و(المستوى الرسمي) و(المستوى الخطابي) يهتم بانتقاء الألفاظ من الفصحى، وتحديد دلالاتها بدقة، وطريقة تقديمها، أما (المستوى الحواري أو الجدلي) فيهتم بالألفاظ الاحتراسية، والعبارات المنتقاة، و(المستوى العادي بين الزملاء والأصدقاء) يطلق ألفاظه على السجية، وتتمحور حول المنطقية، و(المستوى الودي أو الحميمي بين الأقارب والأسرة) تتخلص ألفاظه من القيود اللغوية والدلالية.

ويظهر هذا, أن اللغة الإعلامية تدور حول (اللغة الفصحى) و(الواقع الاجتماعي المتغير) فكل ما تقبله اللغة بالقياس ويقبله الواقع الاجتماعي فهو مستعمل في اللغة الإعلامية  كتقديم الحال في: (ضاحكا جاء زيد)؛ لأن الاهتمام مركز على الطرف الأول، وإذا لم يركز الاهتمام على الطرف الأول بل يوزع على الأطراف الثلاثة تظهر الجملة على ترتيبها الأصلي كما في: (جاء زيد ضاحكًا).

ومحرك الجمل في العربية اللغة الفصحى والواقع الاجتماعي من خلال المعنى، ومن المحددين تتشكل اللغة الإعلامية، وقد يسوغ الاضطرار اللغوي قبول بعض الأمثلة في الواقع الاجتماعي المتغير، كتقديم المعطوف على المعطوف عليه في (قام وزيد عمرو)، وهذا يظهر جليًّا العلاقة الآتية:

اللغة الفصحى، اللغة الإعلامية، الواقع الاجتماعي (المتغير).

   وعندما تقدم الفصحى إلى الواقع الاجتماعي المتغير عن طريق اللغة الإعلامية تحضر تساؤلات ثلاثة، هي: ماذا تقول؟ وكيف تقول؟ ولمن هذا القول؟ ويظهر من هذا أن مستويات الفصحى هي مكونات اللغة الإعلامية، وهي: الوضوح، والمعاصرة، والمناسبة، وكونها جاذبة، ومختصرة، ومرنة، ومتطورة.

ومن أمثلة ارتباط اللغة الإعلامية بالفصحى مبدأ (العناية والاهتمام) والذي يشير إلى أن اختلاف التنغيم والنبر في الجملة يحمل مؤشرا إعلاميا، كتنغيم (هل) في (هل أنت قائم) ينبه على العناية بالسؤال، أما تنغيم (أنت) في المثال نفسه فينبه على العناية بك أنت في السؤال فهو قائم على جانبي النبر والتنغيم.

سحر الجهني

صحيفة شفق الالكترونية
المدينة : المدينة المنورة - فريق التحرير
الايميل : [email protected]
الجوال : 0552543218

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى