مقالات

الحب والخسارة في مونديال 2022

أخذت المنتخبات العربية المشاركة في كأس العالم 2022 المقام في دولة قطر الشقيقة، تخرج من الدور الأول الواحدة تلو الأخرى، وهم “المنتخب القطري والمنتخب التونسي والمنتخب السعودي” الذي غادر بالأمس البطولة بعد خسارته من المنتخب المكسيكي بهدفين مقابل هدف وحيد، ليتبقى فقط منتخب المغرب مرهون بقاؤه في المونديال إلى المرحلة القادمة بما سيحققه في لقائه ضد المنتخب الكندي، في حظوظ ربما أفضل من حظوظ أي من المنتخبات العربية التي ودعت المونديال بالخسارة، ولكن بشرف اللعب الجميل وترك آثار وبصمة جميلة رآها العالم أجمع.
يلعب البعض من أجل المتعة وحين يخسر تعلو محياه الابتسامة، ولكن هذا الأثر لدى البعض وأيضا عند أداء لعبة ترفيهية عادية، بينما لا تعد لعبة كرة القدم لعبة ترفيهية بالأصل، فهي لعبة تلعب على مستوى احترافي في كل أنحاء العالم، وهي لعبة تعد فيها الأبدان وتتأهل فيها الأنفس لخوض منافسة، تارة توصف بالمنازلة، وتارة بالمعركة، وكل هذه الألفاظ تشحذ الهمم وتعلي الطاقات وترفع معدلات التركيز للفوز في نهاية تلك المعارك إن جاز لنا تسميتها بذلك كما توصف، لذا فإن الخسارة التي تمنى بها أحد أطراف الفرق المتبارية لا تكن خسارة عادية كخسارة أي لعبة ترفيهية.
تقول الكاتبة “أورو إيميلي” في تقرير نشرته في صحيفة “لوفيغارو الفرنسية” إن بعض الأشخاص يحاولون عند الخسارة إخفاء انزعاجهم، بينما قد يعمد البعض الآخر إلى السخرية من الفائزين أو قواعد اللعبة، وقد يعزون فشلهم إما إلى الظروف أو سوء الحظ أو يلتزمون الصمت.
في لعبة كرة القدم نرى السخرية هي الديدن الرئيس الذي يلازمها طول فترة لعب المباراة من جمهور الفريقين المتباريين، وحتى قبل الاحتكام للنتيجة وانتهاء المباراة ومعرفة من الفائز أو الخاسر، إذ تبدأ الحرب الإعلامية قبل أن يستيقظ الجمهور على جدول المباراة وتوقيتها لتقرأ ما يسجله الإعلاميين عن تلك المواجهة وحظوظ كل فريق في الفوز أو الخسارة ،ثم تبدأ المرحلة الثانية وهي استعداد الجمهور بالشعارات إما الإيجابية أو السلبية في حال الفوز أو الخسارة فهي على استعداد تام للتهنئة والتوبيخ في نفس الوقت.
هذه المشاعر المخلوطة في عالم “الساحرة المستديرة” كما يحلو للبعض أن يسميها قد توقظ مشاعر سلبية متراكمة لا يعي لها الإنسان وتتسرب إلى داخله من حيث لا يشعر فتظهر على تصرفاته أو على فسيولوجيا جسده، فقد أوضح علماء النفس الإكلينيكي أن للجميع نفس الهدف وهو الحفاظ على صورة إيجابية عن النفس في حال الخسارة، لذا لا يعترف اللاعب السيء عادة بالهزيمة، ويقولون: إنه مهما كان عمر الشخص 7 أو 77 عام ، تدور في ذهن الخاسر منهم نفس الدراما، وإن النشاط الدماغي للخاسر كما لاحظه فريق طبي في جامعة “روتردام” يشبه إلى حد ما ضرب الرأس بالحائط؛ لذلك ينبه الدماغ الجسم على الفور بأنه يجب تجنب هذا الوضع بأي ثمن.
ألم الخسارة هو ألم حقيقي شاء أم أبى من يخسر، والألم له سطوته على الروح وعلى الجسد معا، فكم من آلام نفسيه استحالت إلى فيسيولوجية تكبد أصحابها المشاق الكثيرة في رحلة علاج طويلة الأمد، لذا على الإنسان أن يفكر مليا قبل أن يسلم نفسه لهذا الألم، ويوقظ عقله للمواجهة والتصدي الفعال في تقبل الهزائم والخسائر بروح عالية قدر المستطاع، ولأن الشعوب العربية عاطفية كما توصف بذلك، فقد أكستها خسائر كأس العالم قطر 2022 والخروج من الدور الأول ألم ثقيل، وإن ما خفف وطأة ذلك الألم هو حب المشاركة والتحدي والفرص التي قدمتها بالروح الجميلة والأخلاق العالية وحسن الضيافة والكرم، وكذلك باللعب المشرف أمام الفرق العالمية لا سيما وهي المعروفة بالقوة وتمتلك من اللاعبين العالميين الأغلى في العالم الكروي أمثال ميسي ورونالدو ومبابي ولوفاندوفيسكي وكريم بانزيمة وغيرهم، هذه الأسماء اللامعة والمعروفة والمحبوبة في عالم الرياضة العالمية.
خسرت المنتخبات العربية، والحب يطغى على قلوبها، خسرت والآمال تتواعد معها بالأفضل في القادم، خسرت وألم الخسارة كان طفيفا لشرف ما تركته من أثر طيب في العالم كله، خسرت وودعت، ولكن على أمل أن تعود من جديد أقوى وأكثر نضجا وأكثر حظا وفوزا وحبا للكرة المستديرة، وكل ما فيها من أسرار وخطط وتكنيكات ومهارات.

بقلم – سهام بنت طاهر البوشاجع
الاحساء

زهير بن جمعه الغزال

مراسل شفق المنطقة الشرقية الأحساء 31982 ص ب 5855 موبايلي 00966565445111

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى