اخبار المناطقالثقافيةمقالات

ماهو التفكير ؟ بقلم د. ضيف الله مهدي

كيف نتعلم مهارات التفكير ونعلمها لغيرنا؟

ماهو التفكير ؟

يعرف البعض التفكير بأنه استخدام الوظائف النفسية لحل مشكلة من المشكلات ، فتصاخ لها الحلول في أحكام ،ثم يحاكمها العقل للفوز في الحل النهائي .
جميعنا يفكر عندما تواجهه مشكلة معينة ، ونفكر في حياتنا وجميع شؤوننا ولا نقدم على عمل ما دون تفكير .. فهل التفكير خاص بنا نحن بني البشر ، أم تشاركنا فيه سائر المخلوقات ؟ .
وهل ذكر التفكير في القرآن الكريم ؟ . لنرى ..
التفكير في القرآن الكريم ..
لقد حث الله سبحانه وتعالى الإنسان على التفكير في الكون ، والنظر في الظواهر الكونية المختلفة وتأمل بديع صنعه ومحكم نظامه . كما حثه على تحصيل العلم ومعرفة سنن الله وقوانينه في جميع ميادين العلوم المختلفة ، ونحن نجد هذه الدعوة إلى الملاحظة والتفكير والبحث والتحصيل العلمي في أكثر من موضع في القرآن الكريم . قال تعالى : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) العنكبوت : 20
وقال تعالى : ( قل انظروا ما ذا في السموات والأرض ) يونس : 101. وقال تعالى : ( أولـم يـنظروا في مـلكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء ) الأعراف : 185
ففي هذه الآيات وأمثالها دعوة صريحة إلى النظر والملاحظة والتفكير والبحث العلمي . ويتضح حرص القرآن الكريم على دعوة الناس إلى التفكير من ورود كثير من الآيات التي تتضمن مثل هذه العبارات ( أفلا يعقلون ) ، ( أفلا يتفكرون). وقد بين القرآن أهمية التفكير في حياة الإنسان ، ورفع من قيمة الإنسان الذي يستخدم عقله وتفكيره . وقد حط القرآن من شأن من لا يستخدم عقله وتفكيره بأنه جعله أدنى درجة من الحيوان . قال تعالى : ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ) الأنفال : 22
مـا هو التفكير وما وظيفتـه ؟
التفكير هو ربط عدد من الأحكام فيما بينها بحيث يتوقف آخرها على البقية توقف ضرورة أو رجحان أو احتمال بحسب نوع التفكير . ووظيفة التفكير الأولى هي أنه وسيلتنا إلى البرهان ، يضاف إلى ذلك أنه مرحلة تمهيدية في الكشف عن المجهول ، ولكن الكشف لا يتم إلا عن طريق تلك الومضات الخاطفة التي تؤاتي بعض العقول والتي تسمى حدسا أو إلهاما .
أنـواع التفكير :
يميز المناطقة في التفكير بين ثلاثة أنواع وهي :
1ـ الاستنباط : قد يستخدم الإنسان التفكير الاستنباطي كوسيلة للحصول على المعلومات . وفي الاستنباط يرى الإنسان أن ما يصدق على الكل يصدق أيضا على الجزء . ولذا فهو يحاول أن يبرهن على أن ذلك الجزء يقع منطقيا في إطار الكل ، ويستخدم لهذا الغرض وسيلة تعرف بالقياس . ويستخدم القياس لاختبار صدق نتيجة أو حقيقة معينة. وهو عبارة عن استدلال يشتمل على ثلاث قضايا . يطلق على القضيتين الأوليين المقدمتان ، حيث أنهما تمهدان للوصول إلى النتيجة وهي القضية الأخيرة . وهناك قياس حملي وهذا مثال له :
كل البشر سيموتون ( مقدمة كبرى)
الإمبراطور بشر ( مقدمة صغرى)
إذن الإمبراطور سيموت ( نتيجـة)
وهناك أنواع أخرى للقياس وهي القياس الفرضي ، والقياس التبادلي ، والقياس المنفصل .
والتفكير الاستنباطي من أهم طرق الحصول على المعرفة وقد ظل قرونا طويلة ولا يزال حتى اليوم .
الاستقـراء : في الاستقراء ينتقل العقل من ملاحظات معينة محدودة إلى حكم عام أو قانون . ويستعمل أكثر ما يستعمل في العلوم التجريبية . ومثاله ملاحظة حجم الغاز بالنسبة للضغط الواقع عليه مع تغيير كمية الضغط من تجربة إلى تجربة وتسجيل الحجم في كل حالة . وفي النهاية تستخرج العلاقة الرياضية بين الحجم والضغط فتكون هي القانون ، ومنطوقة في مثالنا هذا هو أن الحجم والضغط يتناسبان تناسبا عكسيا .
التمثيل : وفيه يثبت العقل صفة في شيء لشيء آخر لاشتراكهما في صفة أخرى . مثاله : ( س ، ص ) يشتركان في الصفة ( أ ) ولكن ( س ) يتصف بالصفة ( ب ) أيضا ، وإثبات (ب ) صفة لـ ( ص ) هو التمثيل . ومن الأمثلة المشهورة الحكم على المريخ بأن به أحياء لتشابه جوه بجو الأرض . وهذا النوع من التفكير يؤدي إلى نتيجة محتملة الصدق في بعض الأحيان ، فاسدة في أحيان أخرى .
خطوات التفكير في حل المشكلات : يمكن أن نلخص خطوات التفكير في حل المشكلات فيما يلي :
أولا ـ الشعور بوجود مشكلة .
ثانيا ـ جمع بيانات حول موضوع المشكلة .
ثالثا ـ وضع الفروض .
رابعا ـ تقويم الفروض .
خامسا ـ التحقق من صحة الفرض .

إن التفكير معرض للخطأ ، فقد يعترض التفكير بعض العوائق فتحرفه عن طريقه السوي ، وتحول بينه وبين الوصول إلى الحقيقة . وإذا تراكم على الإنسان كثير من عوائق التفكير أصيب تفكيره بالجمود وأصبح غير قادر على تقبل الآراء والأفكار الجديدة ، وإذا وصل الإنسان إلى هذه الحالة فقد التفكير قيمته العظيمة في حياته .
أهم العوامل التي تعيق التفكير و تؤدي إلى جموده :
أ ـ التمسك بالأفكار القديمة .
ب ـ عدم كفاية البيانات .
ج ـ التحيز الانفعالي والعاطفي .
لغات التفكير :يمكننا أن نقول أن للتفكير لغات عديدة, ويمكن للإنسان أن يستخدمها إذا أراد أن يولد لديه العديد من الأفكار الإبداعية. كما أنه يحسن بالمرء إذا تعطلت عنده لغة عن توليد أفكار جديدة أن يجرب استخدام لغة أخرى فلعله يجد بغيته فيها. ومن هذه اللغات التفكيرية سبع لغات, وهي كما يلي:
1ـ اللغة البصرية : والتي يتم فيها استخدام: الصور, الرسومات, المخططات, الرسوم التوضيحية, الرسوم البيانية, المجسمات, المنظر ثنائي الأبعاد أو ثلاثي الأبعاد, وغيرها.
2ـ اللغة الحرفية أو اللفظية : والتي يتم فيها استخدام الكلمات, الوصف, الكتابة, الكلام, التعليمات, القوائم, وغيرها.
3ـ اللغة العددية أو الرقمية : والتي يتم فيها استخدام: الأعداد, الجمع, الطرح, الضرب, القسمة, المعادلات, الجبر, وغيرها.
4ـ اللغة المنطقية : والتي يتم فيها استخدام: التحليل, الأسباب, الأحكام, الدليل, الاختبار, الاستقراء (تتبع الجزئيات للتوصل منها إلى حكم كلي), الاستنتاج, وغيرها.
5ـ اللغة المتعاقبة أو المتسلسلة أو المتتالية أو المتتابعة : والتي يتم فيها استخدام: الوقت, الأحداث, الفترات, التطورات, وغيرها.
6ـ اللغة العاطفية : والتي يتم فيها استخدام: الأحاسيس, المشاعر, الوجدان, الآراء, الجانب الإنساني, الآمال, الجانب النفسي, الأهواء, الانفعالات, وغيرها.
7ـ اللغة الفكرية : والتي يتم فيها استخدام: النظريات, الفلسفات, الاستعارة, المجاز, الرموز, التشبيه, وغيرها.
بعد ذكر اللغات السبع يحسن بنا أن نضرب مثالاً على كيفية استخدام اللغات التفكيرية في توليد الأفكار, فلو أردنا (مثلاً) أن نقدم خدمة متميزة للعميل فيمكننا أن نولد أفكاراً جديدة عن طريق استخدام اللغات التفكيرية وذلك كما يلي:
1 ـ باستخدام اللغة البصرية يمكننا الحصول على الأفكار التالية:
أ ـ رسم مخطط توضيحي لمكان العمل يوضح الأقسام والإدارات المختلفة لتسهيل حركة العميل داخل المؤسسة.
ب ـ تعليق العديد من الصور الجميلة والمجسمات الفنية في مكان تواجد العميل.
ج ـ وغيرها.
2ـ باستخدام اللغة الحرفية يمكننا الحصول على الأفكار التالية:
أ ـ كتابة كلمات ترحيبية للعميل.
ب ـ كتابة التعليمات الإرشادية للعميل.
ج ـ وضع آلية تسجيل لتسجيل ملاحظات واقتراحات وشكاوى العملاء.
د ـ وغيرها.
3ـ باستخدام اللغة العددية أو الرقمية يمكننا الحصول على الأفكار التالية:
أ ـ العمل على تقليل عدد الشكاوى من “100” شكوى في الشهر إلى “10” شكاوى.
ب ـ جمع الأقسام الأربعة التي يتنقل بينها العميل في قسم واحد يختص بتلبية احتياجات العملاء.
ج ـ غيرها.
4ـ باستخدام اللغة المنطقية يمكننا الحصول على الأفكار التالية:
أ ـ ما هي الأسباب التي تجعل العملاء يرغبون في التعامل مع المنافسين؟
ب ـ عمل اختبار أو استبيان للتعرف على رغبات العملاء وملاحظاتهم.
ج ـ غيرها.
5 ـ باستخدام اللغة المتتالية يمكننا الحصول على الأفكار التالية:
أ ـ تحديد جائزة شهرية للعملاء تتناسب وأبرز حدث في هذا الشهر.
ب ـ عمل تطوير واحد متميز في كل شهر (يمكن تسميته خدمة الشهر).
ج ـ وغيرها.
6 ـ باستخدام اللغة العاطفية يمكننا الحصول على الأفكار التالية:
أ ـ التعرف على مشاعر العميل تجاه كل خدمة تقدمها له المؤسسة.
ب ـ تحديد الكلمات والحركات والخدمات التي تبهج العميل.
ج ـ وغيرها.
(7)باستخدام اللغة الفكرية يمكننا الحصول على الأفكار التالية:
أـ لو شبهنا العميل بالملك , ترى ما هو الأسلوب الذي ينبغي أن نعامل به الملك, ومن تم نعامل به العميل؟
ب ـ ما هي فلسفة المؤسسة تجاه العميل وخدمته؟
ج ـ وغيرها .
كيف نتعلم مهارات التفكير ونعلمها لغيرنا؟
هل يمكن أن نتعلم كيف نفكر؟
نعم يمكن ذلك وبكل بساطة، وينبغي ألا نضيع الوقت والجهد في سبيل الاقتناع بهذا الأمر، فلم يعد هذا مما يحتاج إلى كثير إقناع بعدما أثبت جدواه عملىًا. ومع ذلك فلا يزال كثيرون يرون أن التفكير فطري ويمارسه الإنسان بشكل تلقائي من دون تعلم، فما حاجتنا إلى تعلم التفكير وتعلم مهاراته؟ والإجابة عن حاجتنا إلى تعلم التفكير تتلخص فيما يلي:
1ـ أننا نواجه كمًا هائلاً من المعلومات التي تتدفق علينا كل يوم، وإذا لم نستوعبها بطريقة منظمة تقوم على أساس التفكير فلن نتمكن من هذه المعلومات مطلقًا.
2ـ كون التفكير فطريًا لا يغني عن اكتساب مهاراته، لأننا نقوم بعمليات تلقائية كثيرة، ومع ذلك فنحن بحاجة إلى تعلمها. كما أن الفطرة لم تعد بمنأى عن التغيير والتحريف في أمور الغرائز، فلا نستغرب من وجود برامج لتعليم الأمومة مثلاً.
3ـ أن التفكير ليس عملية بسيطة كما يتصور الكثيرون، بل هو عملية معقدة متعددة الجوانب والخطوات، وتدفعها الدوافع وتقف في طريقها العقبات.
4ـ للتفكير مهاراته، وأي مهارة في الدنيا تحتاج إلى تعلمها بالممارسة والتمرين والاصطبار عليها والتحسين المستمر في أدائها، كما أن التفكير يستخدم عدة أعضاء فلابد من إجادة تشغيل هذه الأعضاء كالحواس والدماغ.
5ـ أن التفكير يُسهل اكتساب المهارات الأخرى ويعمل على ترسيخها في النفس
تنمية مهارات التفكير
حتى تنطلق عملية التفكير لابد من وجود الدوافع، والحوافز المشجعة على القيام بالأعمال، والدعم المادي والمعنوي من الآخرين، كما لابد من إتاحة الفرصة لاستثمار ما اكتسبه الفرد من مهارات بالممارسة والتطبيق في مناح مختلفة. وبالنظر إلى تعريف التفكير فإنه يمكن حصر المهارات المتعلقة بالتفكير في الأشياء الرئيسة التالية وهي: مهارات الإعداد النفسي والتربوي، ومهارات الإدراك الحسي، ومهارات الواقع والمعلومات والخبرة، ومهارات عقبات التفكير وأخطائه.
مهارات الإعداد النفسي:
* إثارة الرغبة في الموضوع، وتُعرف بحب الاستطلاع وإثارة التساؤلات والتعمق.
* الثقة بالنفس وقدرتها على التفكير والوصول إلى النتائج.
* العزم والتصميم، ويتمثلان في: السعي لهدف، وتحديد الوجهة وطريقة العمل والمتابعة الدؤوبة الذاتية لذلك، والحرص على النتائج المفيدة.
* المرونة والانفتاح الذهني وحب التغيير: الإقرار بالجهل إن لزم، والاستماع إلى وجهة نظر الآخرين «فتأخذ بها أو ترفضها»، واستشارة الآخرين، والاستعداد للعدول عن وجهة نظرك ولتغيير الهدف والأسلوب إن لزم الأمر، والتريث في استخلاص النتائج.
* الانسجام الفكري، ويتمثل في تجنب التناقص والغموض، وسهولة التواصل مع الآخرين بأفكار مقنعة وواضحة ومفهومة.

د. ضيف الله مهدي

د. ضيف الله مهدي

مستشار تربوي ونفسي وأسري واجتماعي - عضـو مشارك بـ صحيفة شفق الالكترونية
المدينة : جدة
الايميل : [email protected]
الجوال : 0501963560

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى