اخبار المناطقالثقافيةمقالات

العنف الأسري .. د. ضيف الله مهدي

العنف الأسري

من المتسبب فيه الزوج أم الزوجة ؟ أم البيئة المحيطة ؟ أم المغروس في النفوس منذ الطفولة ؟
إن الحياة الزوجية مسرح يمثل عليه الأزواج ما تعرضوا له في طفولتهم ، فمن شب على عداء لا شعوري لوالديه ، كان أدنى أن يصب عداءه على شريكه في الزواج .. من شاهد أمه تهين والده وتذله شب وفي نفسه شيء ضد المرأة ، والطفلة إذا شاهدت والدها يهين أمها ويضربها ، غرست تلك المناظر وتعمقت في نفسها وكرهت الرجل ، فإذا كبر الطفل والطفلة وكون كل منهما أسرة ، كانت تلك المناظر التي تعيش في لا شعورهما ( العقل الباطن ) حتى إذا ما حدث أي خلاف أو مشكلة ـ وهذا طبيعي أن يحدث داخل الأسرة ـ ظهرت على مسرح الأحداث تلك الشخصيات التي ما زالت تعيش في العقل الباطن ، فالزوجة ترى في زوجها شخصية والدها الذي كان يضرب أمها ، والزوج يرى في زوجته شخصية والدته التي كانت تهين والده ، وقد يكون العكس صحيحا ، ومن هنا يبدأ كل منهما في التهيؤ للدفاع عن نفسه ، وما زالت تلك المناظر من الماضي البعيد ماثلة أمام عينيهما ، فهي لا تريد أن تُضرب مثل أمها ، وهو لا يريد أن يهان مثل أبيه ، كل ذلك إذا ما وصلت المناقشات إلى حد الصياح ورفع الأيادي .
أما الطفل الذي نشأ مدللا مسرف في الاتكال على والديه سنجده إن لم يجد في شريكه ذلك فسيثور ويغضب ويتمرد كما كان يفعل في طفولته . أما الطفل الذي لم يذق طعم العطف في صغره عز عليه أن يشعر به فيما بعد ، واستحال أن يهبه لغيره . أما من شب شاعرا بالنقص ـ حقيقي أو موهوم ـ ضعيف الثقة بنفسه كان شديد الغيرة في زواجه ، شديد الحساسية لأية ملاحظة أو نقد . أما من شب أنانيا مسرفا في حبه لنفسه ، عاجزا عن حب غيره ، كان زواجه ناقصا يعجز عن التضحية التي يتطلبها كل زواج سعيد . وإن رزقا الزوجان بأطفال كان هؤلاء الأطفال هم كباش الفداء . وهنا نتعرف على الأسباب التي تسبب في حدوث المشاحنات والعنف ، وأن منشأها نفسي ، ونتبين أن لحياة الطفولة أثرها الفعال ، وللأسرة دورها الخطير في حياة الأفراد والمجتمع . فالأسرة لها التأثير في تعيين شخصيات أفرادها وتشكلها وتوجهها إلى الخير أو الشر وإلى الصحة أو المرض وإلى السواء أو الشذوذ .
وقد يكون سبب العنف والمشاحنات والخصومات من البيئة المحيطة بالزوجين ، إما أهل الزوجة بتدخلاتهم وعدم رضا الزوج عن ذلك ، وإما بتدخل أهل الزوج وعدم رضا الزوجة عن ذلك ، ومن هنا تنشأ الخلافات والمشاحنات التي قد تصل إلى مد الأيادي . وقد يعود الزوج من عمله متعبا محملا بهمومه ولا يجد الراحة في البيت ، بل يجد زوجة بانتظاره ، وبدلا من تهيئة الجو المريح له لينسى هموم ومتاعب العمل ، يجدها سببا آخرا في متاعبه ، مما يجعله يقوم بأفعال وسلوكيات لا إرادية قد تصل حد العنف . ولم تتصرف الزوجة بحكمة عندما شعرت بتعب زوجها ، فكانت السبب المباشر لحدوث الخصام والكلام الذي قد يصل إلى العنف ، وللمعلومية فإن العنف وتوتر العلاقة بين الوالدين تؤثر في سلوك الأبناء . حيث أثبتت الدراسات والأبحاث ذلك ، حيث أن الخلافات والمشاحنات والعنف الحاصل بين الزوجين تؤثر على سلوك الأبناء ، كما أن تربيتهم لن تصل إلى الطريقة المثلى ، وتخلق في البيت جوا من التوتر يؤثر في حياة الأبناء تأثيرا بالغا ، وتحدث صعوبات في التكيف . وإذا الخصام أو العنف أدى إلى انقطاع كامل أو ما هو قريب منه في العلاقة بين الوالدين وأصبح البيت متصدعا ومتهدما غدا البيت من الجحيم في نظر الأبناء . وإن عاشا الزوجان معا مراعاة لجميع أبنائهما ، لكن ليس بينهما أي مودة أو اتصال أو تقارب ، عاش الأبناء أجواء الطلاق النفسي والذي هو أشد وقعا وتأثيرا على نفسيات الأبناء من الطلاق الحقيقي . وحتى يجنب الآباء والأمهات الأبناء مثل تلك الأجواء والبيئات الموبوءة فعليهما التنازل عن بعض المطالب والتفاهم والابتعاد عن الأطفال أثناء المناقشة . كما يجب الابتعاد وتجنب الأسباب التي ق
د تؤدي بهما إلى الخصام والمشاحنات ومن ثم مد اليد والعنف . وليعلم الزوج والزوجة أنهما في هذه الحياة امتداد للجنس البشري ، لهما رسالة في الحياة ستنتهي بنهايتهما وسيحملها غيرهما من بعدهما ، فليتركا لهما ذكرى حسنة وحميدة . كما أنني أرى أن الأسرة المبنية على الأسس الصحيحة لتكوين الأسرة الإسلامية لن يحدث فيها العنف ، لأن الزوج الموصوف والمتسم بالأخلاق والدين لن تمتد يده لزوجته وأبنائه ، وتلك الزوجة التي أُختيرت على أساس دينها لن تمتد يدها لتضرب زوجها ، ولن ينطق لسانها بما يؤذي زوجها ، وسيمنعها حياؤها ودينها ومن ذلك . وقد قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام : (( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي )) وقال أيضا : (( أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة )) . دمتم بصحة وعافية وعيش هنيء.

د. ضيف الله مهدي

مستشار تربوي ونفسي وأسري واجتماعي - عضـو مشارك بـ صحيفة شفق الالكترونية
المدينة : جدة
الايميل : [email protected]
الجوال : 0501963560

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى