ادب وفنشعر وخواطر

زهرة وساق ! .. محمد سروجي

في ارض قـحـلة
بـدون سـاق !
و الـصحـراء موحـشة.. ممـتدة يـبدو لا نـهاية لها ,
و لا شيء من حـولها سـوى الظلام و السكوت المطبق !
وحـيـدة.. بـدون ساق… نـبـتـت زهـرة .

كـانت موقنة بعدل الله
و أن الـرحيم لم يـخـلـقـني عـبـث و لا يـنـساني
كـافحت أعاصير الحـديث الـمر بـمرارة الأيام
و جـفاف الـنـظرة الحانية …العـطوفة…. المؤلمة بل قاتله ..
و زلزال المستقبل المبهم يـحــيـطها
و الـخـوف مـوجـود حـولها فـي كـل مـكـان و مـن كـل شيء.
و الماضي صوت يلسعـها وتـترك كـل لـسـعة خـلـفها جـرحً مـدفون,
و ذنـبها أنها ولدت زهـرة بـدون ساق …
صمدت و كان سلاحها اليقين برحمة الله و طموحها
وعـلمها و عـطـرها كـزهـرة و حـقها في الحياة من أن تصنع لها ساق تقف عليه ,
ساق من صنع زهـرة ..و يلائم زهـرة .. يبرز بهائها و مكنونها ويحقـق ذاتها
و يظهر عطائها و تزيد لوحة الطبيعة جمال ولون و عبير ,
و لكن … لابد أن يكون لها ساق ؟
حتى لا تداس و تموت …و لكي لا تكون خلقت عبث ,
هـكـذا كـانـت تـعـيـش و تـفـكـر
كـانت تحـلم قـبل أن تنام و تغمض عينها
لعل حلم المنام يداعب جفونها و يكمل حلمها الأمل
كيف يكون شكل الساق التي ســـ تقف عليه
و كيف تجعله قوي الأساس ؟ ليمدها بقوة الصبر والتحمل
كيف ؟
لتصحو بلا حلم و كل شيء ضدها …كالعادة ..و لا تملك شيء! .
تنمو وحيدة تهرب من عيون المتطفلين
و تنمو معها فكرة التمسك بالحياة و نصيبها فيها ,
ثقل الحمل..حاربت …تعبت ..ظمئت و كادت تجف و تذبل ,
مر بستاني بالصدفة … جـرب الذبول مرة وعـاد أيـنـع
لفتت نظرة ….تقرب منها بحنان
عرف سبب شحوبها وحس بوجعها و شعر بألأمها
تشابهت الجروح …و توافقا في البراءة …و تساويا في الظلم …و حلقا بالأرواح
فاتخذته صاحبً للروح
ارتمت بين يديه تشكو … ذرفت دموع و كانها لم تبكي من قبل … طلبت أن يسقيها
عـرض عـليها نبع صافي لم يلج احد فيه من قبل
رحلة اكتشاف و ارتواء في أعماقها
رحله نبحث فيها عن دهاليز الخوف المظلمة و ننيرها
نزيل السدود و نرمم مجاري الينابيع البِكر و نجعلها تسيل لنرتوي منها
نفتح دفاتر الماضي و نعيد قراءتها ونستبدل حجم الظلم و الألم الى عزيمة و أمل
خافت…ترددت في القبول…شجعها على المغامرة ورغبها بالنتائج
تقدمت بعد أن أطمئنت الروح بمرافقة الصاحب ,
فـتـش داخـلها نـفـض الـغـبار عـن الشيء الجميل
وجمع الماضي في أرشيف بعيد كتب عليه باللون الأحمر
ماضي … لنعرف أين كنا .
أشرع النوافذ و كسر الأبواب المقفلة
واجه صعوبة في تحرير ما وجد فيها
مدت يدها تساعده …. ولمح الصاحب كومضة مصباح
ابتسامة أمل للروح
تشجعا ثابر و لملم الأشياء الجميلة في كومة كـبيرة …. وصقلها لتشع …و غلفها بروحه
و وضعها على طبق الـعـزيـمـة …. أغلى هدية من ذات الزهرة للزهرة .
خافت أن تلمسها في البداية …فرحت كالأطفال …حزنت عليها لإهمالها…و سخفت على نفسها ,
طلب منها التمعن في جمالها … تجرأت أن تقف أمام ما كان مدفون لأول مرة
شعرت أن فيها نبضات حياة …و شاهدت فيها التحفـز للتمرد والظهور
ضمتها بقوة … قبلتها وغسلتها بالدموع
فكانت هذه بذرة الساق , .
سقاها الأمل و رعاها بالدلال و سامرها بالبسمة
و رافقها بطهر ودعمها بحب , و تابعها حد الـمـلـل
أراها الحياة بلون أخر.. و بطعم أخر.. و من جانب أخر
و دعاها أن تتأمل لونها و تشم عبيرها و تشاهد جمالها
و أن تمتع نظرها بما هو جميل حولها
ساعدها على بروز الساق و ترك لها عناء رعايته
نظرت في المرآة ..تبدلت الصورة .. زال الضباب.. و تجدد الأمل
هي زهرة و الزهور لها عبير وهو عطائها في الحياة و لابد أن يستمر
ومن فيض كرمها لا تملك منع أريجها عن احد ,
نمت وترعرعت و الأحلام نضجت وتبدلت و قارب بعضها الواقع .
واستنبتت الأرض من حولها عشب اخضر …
و مضت الأيام ليستحيل المنظر إلى جنه وسط صحراء كانت من قبل قاحلة
كـبرت … نضجت ..و الساق أنـبـت فـروع و الأغصان أزهرت
و أصبحت زهرة مكتملة النمو أسست لنفسها ساق عالي
تقف و تـنـثر بكبرياء عبـيـرها المميز
و تبهر أقرانها من الزهور بطول ساقها
و جمال ما رقت و عـبـقـت ,
و صاحب الروح كـان فخورً و مـتـابـع .

محمد ابراهيم سروجي

كاتب مقالات ونثر وقصص قصيره عضو مشارك بـ صحيفة شفق الإلكترونية
المدينة : جدة
الايميل : [email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى