اخبار المناطقحوارات

حوار مع الفنان الكبير وديع الصافي

 أجرت الحوار: حنان عبيد

ولد في ثلج نوفمبر عام 1921 في منطقة نيحا الشوف الجبلية، ورث جينات الصوت العذب من اجداده ووالده ووالدته. وعندما بلغ سن المراهقة توجه الى الاذاعة اللبنانية ليقدم اختبارا في الغناء، فغنى اغنية «رد لي لحن هواك لشفائي وشفاك..» وحصل على المركز الاول على اربعين متسابقا، وانطلق بعدها الى الساحة الفنية ليقبض اول قبضة التي كانت ثلاث ليرات الا ربعا وما اسعدها تلك اللحظة بالنسبة له في تلك الايام.
عاش حرب النجوم في الساحة الفنية، وكانت حربا ضروسا ضده من مجموعة معينة من الفنانين، لكن صبره وعناده وايمانه العميق جعلته يتخطى كل الصعوبات ويصبح الهرم اللبناني الكبير للفن في لبنان والعالم العربي.
انه صاحب الاحساس العالي بالكلمة التي اعطاها العاطفة والحب للوطن وللناس، زرع الشوق للاوطان في قلوب كل عربي تغرب عن دياره، فأبكاه ليعود ويزور وطنه، انه ذاك الرجل من ذاك الزمن الذي يصعب عودة مثله.
التقيناه بمنزله في الحازمية، وكان اللقاء معه فيه رهبة الجلوس مع العظماء وصانعي الفن القديم والامجاد التي فقدنا لذتها في ايامنا هذه، قلبنا معه صفحات ذكرياته وحياته المملوءة بالفرح والحزن والنجاح والصبر والايمان.
انه هرم لبنان.. الفنان الكبير وديع الصافي الذي كانت لنا معه هذه الاستراحة

نحن سعداء بلقاء الهرم اللبناني وديع الصافي.. ونسأل عن صحتك، وعن جديدك من الأعمال؟

وأنا سعيد بكم وأهلا وسهلا، دائما لدي أغان جديدة للوطن وللقيم وللمحبة، فلبنان بكل حجمه الصغير الا ان فعله كبير فكريا وحضاريا، ومع احترامي لكل الشعوب يبقى لبنان في الطليعة. حاليا احضر أغاني في استديو ابني جورج فهو مبدع في الاخراج واللحن والكلمة ولديه صبر كبير في تركيز الكلمات، نسجل اغاني تحمل طابع المودرن، وسيكون في الـ CD حوالي اثنتي عشرة اغنية منوعة من الحان الاستاذ محمد قصاص وكلمات مارون كرم وآخرون والاخراج لجورج الصافي، هذا بالنسبة لجديدي من الأعمال الفنية، أما بالنسبة لصحتي.. فالحمد لله صحتي بخير.

زرعت الخير

كان لك زيارة الى الكويت منذ سنوات مضت وزمن بعيد فماذا تذكر منها؟
أول زيارة لي للخليج كانت لدولة الكويت وأنا أحب هذا البلد وأحب شعبه الحضاري المتذوق للفن والتراث ولدي شعبية فيها. زيارتي للكويت كانت قبل الستينات، ولقد تم تكريمي من قبل شيوخ كثر ومن الشعب الكويتي واعتبرهم توأم الشعب اللبناني فهم اول الخليجيين الذين شجعوا السياحة في لبنان، كل الاحترام لهم أمراء وشعبا.

ما الأغنية التي مازلت منذ بداياتك الى اليوم تحبها وتدندنها؟

كل أغانيّ أولادي.

هذا الكلام يقوله الكل، لكن تبقى أغنية تعبر عنك وعن حالك وحياتك؟

لا أعرف لكن أغانّي كلها تعبر عني وعن إحساسي الوطني ومحبة الناس.

هل تحتاج لجو معين حتى تخلق الأغنية؟.

أنا رجل الساعة بديهي تطلع الأغنية معي من دون مقدمات.

لماذا لم تزر الكويت مجددا؟
كنت في أوروبا وفي أميركا وسكنت في فرنسا خمس عشرة سنة، لقد طفت كل بلدان العالم، وزرعت فيها الخير والفن والحضارة والتشوق للأوطان، فكل من تغرّب بعيدا عن وطنه أبكيته وجعلته يزور بلده ولا ينساه.

في جوهر أغانيك دائما نلمس مشاعر إنسانية عميقة تحركنا فنبكي تلقائيا، هل هذا سر نجاح أغانيك وحب الناس لها لذلك مازالوا لليوم يحفظونها؟

أنا مواطن صالح وأصيل في وطني، اعتبر وطني الأب الكبير، أحببته بصدق، لذلك كانت كلمات الأغاني صادقة تصل لكل من يحب وطنه وأرضه وعرضه، فيتفاعل معها ويشعر بها من أعماقه ويحن لتراب وطنه، بالتالي فهو يبكي تلقائيا.

هل أنت مع «14 آذار» أو مع «8 آذار»؟

أنا مع الجميع ومع توحدهم لأن الوطن بحاجة للتوحد، ألا يكفينا سفر شبابنا والغربة.

أحنّ إلى ..

ماذا تقول عن الكلمة في الأغنية اللبنانية؟ وهل فقدت هويتها؟

اليوم لا توجد رقابة وكل واحد يغني وأي صوت بين ليلة وضحاها يصبح مطربا، صحيح ان هناك أصواتا جميلة، لكنها لا تركز على المواضيع والأفكار والقيم، وهناك من يسيء للفن، وبالتالي يسيء للوطن.

عندما يغني اللبناني اغنية مصرية أو خليجية.. هل يسيء للأغنية اللبنانية؟

أبدا، فالفن للكل والفن العربي واحد، ولبنان يمثل هذا الفن، فغناء اللبناني باللهجة المصرية أو الخليجية لا يفقده هويته، واللبناني يستطيع أن يغني بكل اللغات واللهجات.

لماذا لا يغني المصري باللهجة اللبنانية؟
لانه لا يتقن اللهجة اللبنانية، واللبناني مشهور بتعدد اللغات والقدرة على تقليد اللهجات، وأنا احد الذين غنوا الاغنية المصرية والخليجية، وعندما زرت الكويت غنيت باللهجة الكويتية واعتبر الكويت في مقدمة البلدان العربية والخليجية في الفن الراقي كلمة ولحنا وغناء.

اذا عرض عليك ان تغني دويتو مع فنان او فنانة كويتية فهل تقبل؟

ــلا مانع لدي ابداً، والكلمة الكويتية تعجبني كثيرا، اسمع اغانيهم وتعجبني ايقاعاتهم وحتى السامري سمعته واعجبني كثيراً.

هل تابعت مسلسل اسمهان وعبد الحليم وليلى مراد…؟

ــطبعا.

وهل قصة حياتهم مشوهة عن الحقيقة؟

ــكنت اعرف ليلى مراد وكانت رائعة ودائما كانت تقول لي «يا تقبرني» وللاسف ماتت من اليأس والحزن، وايضا عبد الحليم حافظ، والكل كانوا يسهرون عندي، وبالاخص عبد الوهاب والسنباطي عندما كانا يسمعاني اغني كانا يصفقان لي ويضحكان وايضا يبكيان، قد تكون مسلسلات قصة حياتهم فيها شيء من المبالغة.

الى اي مدى تحن لتلك الايام؟

ــاحن للشباب وللعز والتقدير، والحمد لله حافظت على كرامتي ووطنيتي، احب وطني واحب كل الاوطان التي تكرمني، ولقد غنيت لكل الاوطان التي استضافتني واحن لايام زمان ولصدقها وعراقتها.

ماذا عن انطوان وجورج؟

ــهما تراثي وحاملا رسالتي الفنية للنهاية.

متى سنرى لك كتابا فيه قصة حياتك بحذافيرها؟

ــالفكرة موجودة لكنها بحاجة الى سيولة مالية ترضيني لاعيش بكرامتي، فأنا اليوم لا اعمل حفلات الا من خلال دعوات خاصة ورسمية، والحفلات اقوم بها كرمز لوديع الصافي مع اولادي انطوان وجورج، جورج عملاق باللحن وانطوان عملاق بالصوت وهو خليفتي في التلحين والغناء وصوته ومقاماته عالية اكثر من صوتي.

بالجينات

العائلة كلها فنية فهل تتمتع زوجتك بصوت جميل؟

ــزوجتي نينا تسمع كثيرا غناءنا لكنها لا تستطيع الغناء فصوتها ليس جميلا.

متى تزوجت نينا؟

ــيضحك قائلاً: السنة الماضية تزوجتها.. ارتبطت بنينا بعد ان اعجبتني، لقد كنت في البرازيل وعندما عدت الى لبنان رأيتها تنط على الحبل وكانت بعمر الاربع عشرة سنة وانا بعمر الثلاثين وهي قريبتي، انها ابنة عم ابي، فقلت لوالدتها، عندما رأيت نينا، اريدها زوجة لي عندما اعود من البرازيل، كانت نينا بنتا جميلة جداً طويلة القامة، تزوجنا ومشينا معاً في هذا الدرب الطويل.

هل كانت تغار عليك كثيراً من المعجبات؟

ــطبعا كانت تغار كثيراً والى اليوم تغار وهذا الشيء اعتبره مبدأ للحب الحقيقي، فغيرتها طبيعية كأي امرأة، بالمقابل كنت احترم نفسي واحترمها، ومنذ بداياتي الفنية عرفت كيف تتأقلم مع حياتي وتساعدني وتدفعني للنجاح.

حدثنا عن اولادك؟

ــاولادي فادي وطوني وجورج وميلاد، ولدي بنتان دينا ومارلين، ابني جورج من ارقى منتجي العالم العربي والغربي، وابني فادي مخرج ومصور فني واعتبر طوني خليفتي في صوتي وفي التلحين.

ماذا عن الأحفاد؟

ــلدي ستة عشر حفيداً.

على من تراهن من احفادك بأنه سيكون مثل جده وديع؟

ــاولاد طوني وجورج موهوبون ولديهم ملامح الفن والعبقرية، ولا شك في ذلك، فطوني وجورج اعتبرهما عمالقة في الفن لقد ساعداني وسانداني في حياتي وكذلك ساعداني في العزف والغناء، ولن يكون بعيداً انتقال جينات الفن الى الاحفاد.

كيف أثر والداك في شخصيتك ونمو موهبتك؟

ــ نحن في سلالتنا ورثنا الصوت العظيم من الاجداد، ومن والدي ووالدتي فهما من اعظم واجمل الاصوات، فأخذت الاصالة كلها منهما ونقلتها اليوم الى اولادي، والدي لم يغن، وكنت اترجاه ليغني لنا بيت عتابا، وعندما كان يغني لنا كنت أبكي، وكنت أسمع صوت جدي وأتأثر به، لقد كان والدي عسكريا، شخصيته صارمة امتزجت بالحنان والعاطفة، وحب الوطن والاخلاق، وتأثرت بصوت والدتي، فكنت أبكي عندما تغن لنا، كانت امرأة «أبضاية» أخت الرجال.

القمة والحرب

متى وأين ولدت؟

ــ ولدت في 1 نوفمبر 1921، في نيحا الشوف الساعة الخامسة صباحاً، قالت لي والدتي ان المنطقة كانت «ثالجة»، كنت هاوياً للفن واحب العلم، لكن والدي لم تكن لديه القدرة المادية ليكمل لنا تعليمنا، فأخذنا نحصّل تحصيلا خاصاً، حينها شجعني خالي لأغني، فقال لوالدي هذا الولد سيصبح في يوم من الايام اكبر فنان عربي، لقد كان خالي المرحوم صاحب صوت جميل جداً ويعزف العود، وعندما أصبحت في سن المراهقة قدمت امتحانا في الغناء في اذاعة لبنان، وفزت على اربعين طالبا بالمركز الاول، بعدها انطلقت في الساحة الفنية، وكانت اول اغنية لي تقول: «ردّ لي لحن هواك. لشفائي وشفاك….» ولم تسجل في ذاك الوقت، وأول قبضة قبضتها كانت ثلاث ليرات الا ربع فرحت بها كثيراً، وأخذت انظر اليها بسعادة وحاولت عدم صرفها.

مقارنة بين فناني لبنان بالأمس واليوم كيف تصف نفسياتهم والاجواء الفنية؟

ــ كان ابناء بيروت أكثر الناس دخولا للساحة الغنائية باعتبار ان لديهم حضارة تختلف عنا نحن ابناء الجبال، فنحن نغني الميجنا والعتابا، نزلت الى بيروت ودرست علم النغم وأخذت خلاصة العادات فيها وانطلقت للقمة، فن الأمس اختلف عن فن اليوم من كل النواحي وللأسف لم يرتق. للأفضل.

ما الصعوبات التي واجهتك في دربك الفني؟

ــ واجهت الحرب والحسد وأعداء كثرا لكن ايماني حصّنني فلم اخف ابداً، مرت عليّ صعوبات كثيرة، هناك من أخذ يقول عني: من هذا وما هذا؟ يغني عن العنزة، فأخذ أهل بيروت يضحكون عليّ، فقلت لهم: ان غداً لناظره قريب وسترون من هو وديع الصافي. كنت واثقا جداً من نفسي وسرت في طريقي بحصانة من الله.

كيف واجهت الحرب والأعداء؟

ــ بكل صبر وكنت استهزئ بعدوّي واقول له: تحتاج الى الكثير لتفهمني، وعندما تفهمني تصبح شاطرا.

وهل دربت وعلمت طوني وجورج على تحصين نفسيهما ومواجهة الصعوبات؟

ــطبعا هناك من يغار منهما ويحسدونهما والحمدلله كل واحد فيهما قلعة، يعرف كيف يواجه بأخلاق رفيعة.

ما الضريبة التي دفعتها في حياتك الفنية؟

ــ دفعت الكثير من الصبر نتيجة محاربة فئة معينة من الفنانين لي وصبري كصبر أيوب فهو قريبي بالايمان والتحمّل، فكنت دائم الصلاة لله وكان يردّ عني الكثير من الضربات والامراض والحمدلله اصبحت بعمر الثمانية والثمانين وأتمتع بصحة جيدة ومازلت في حالة العطاء.

كيف استطعت المحافظة على رونق صوتك؟

ــالسّر هو في جيناتنا من الاجداد، فقد ورثنا الصوت العذب، لذلك هذا الصوت لا يزول، وعندما كنت أمرض صحيح كان صوتي يفقد عذوبته لكن بعد الشفاء يعود كما كان.

هل هناك اصوات لبنانية تؤمن بها وتعتبرها امتدادا لصوت وديع الصافي الجبلي؟

هناك اصوات رائعة كصوت عاصي الحلاني ونجوى كرم وغيرهما، ونجاح الفنان يتوقف على اخلاقه.

هل تمارس نوعا معينا من الرياضة؟

اقوم بتمارين رياضية في البيت فأمشي على جهاز المشي يوميا لاحافظ على صحتي.

متى سينزل السي دي الجديد الى الاسواق؟

ابني طوني هو من يعرف بهذا الامر، وسيشارك هبة قواس بالحفلات، وانا سأكون ضيف الشرف معهما.

هل من ذكرى مؤلمة بقيت جروحها في اعماقك؟

هناك ذكريات مؤلمة لا اريد تذكرها، لقد تعذبت كثيرا من الحسد والحقد والحرب الضروس ضدي وتخطيت ذلك بالصبر. وينطبق علي قول «وما نبي يكرم في وطنه»، عنادي وصبري وحملي للرسالة دفعتني الى الامام لمواصلة ما اريد، كرمت الخالق قبل المخلوق فعملت مزامير داوود وللصلاة وهو عمل خيري دون مقابل لكل الاديان السماوية.

هل تحاسب نفسك وتنقدها؟

عندي رقابة ذاتية، وعندما اغلط اتوقف وانتبه واضبط نفسي. وانا اول من يحاسب نفسه اكثر من محاسبته للناس، واعتبر نفسي متصوفا، اصلي واختلي بنفسي باكيا من حبي للخالق.

ما خلاصة خبرتك في الحياة من مبادئ وحكم؟

حب الناس ومسامحة اخطائهم والعطف على الفقير، حب الخالق واولادي، لقد اعطيت اولادي كل شيء على حياة عيني من اسم واموال ليتهنوا مع اولادهم في حياتهم.

كيف تدللك نينا الى اليوم؟

ندلل بعضنا دائما ونتذكر معا الماضي، وتطلب مني سماع بعض الاغاني وهي خطيرة في سمعها حتى انني اسألها عن الالحان، وآراؤها صائبة دائما.

هل تزعلها او هي من يزعلك؟

انا من يزعلها لانني اغيب عنها وهي لا تتحمل غيابي، زوجتي صابرة جدا، كانت والدتها تدرس عليها منذ بداياتي الفنية ان تتحمل كل حياتي ومعجباتي وحتى انها كانت تقف معي ضد ابنتها اذا اختلفنا.

كيف هو نمط حياتك اليوم؟

اعيش الهدوء، لا اسهر كثيرا ولا اقبل او ألبي أي دعوة الا في حالات قليلة تقديرا لحب للناس وألمس من الناس كلهم حبهم فهم يريدون ان يروني اكثر من ان اغني لهم.

هل تتبع نظاما غذائيا معينا؟

انا الآن في طور الرقابة، لا آكل الا الاكل الصحي واي غلطة تقف لي نينا وابنتي مارلين، فابنتي تراقبني بحرص شديد، واغنية يا عصفورة النهرين كانت لمارلين، هي مرجع سعادتي وطموحي.

ما الرسالة التي تود توجيهها لكل من سيقرأ لقاءك؟

احب ان تتحد الامة العربية بالمحبة وان ننبذ الطائفية، ويجب ان تفتح القلوب بعضها لبعض للتسامح ولا نترك الغرب ينتف بنا، واي وطن وشعب يكرمني فهو وطني وانا منه، فاذا ذهبت للكويت احبوني وكرموني، فانا كويتي منهم، وكذلك الشيء في اي وطن فأنا غير متعصب احب وطني كأبي وباقي الاوطان وطني الثاني.

صحيفة شفق الالكترونية المدينة : جدة الايميل : [email protected] الجوال : 0591401140

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى