مقالات

خدمة الناس.. د. ضيف الله مهدي

حكي أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى سمع أن شخصا في بلاد ما وراء النهر يروي أحاديث مثلثة ، فسار إليه ودخل عليه فوجده يطعم كلبا ، وهو مشتغل به .. قال الإمام أحمد : فأخذت في نفسي و أضمرت أن أرجع إذا لم يلتفت إلي ، ثم قال الرجل للإمام أحمد : حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قطع رجاء من ارتجاه قطع الله رجاءه يوم القيامة فلم يلج الجنة ) وإن أرضنا هذه ليست بأرض كلاب ، وقد قصدني هذا الكلب فخشيت أن أقطع رجاءه . قال الإمام أحمد رحمه الله : هذا الحديث يكفيني ثم رجع قافلا إلى أهله ..

إن بعض الناس يحدوه الأمل في إخوة له ربطته بهم علاقة الزمالة أيام الدراسة والأخوة في الله سبحانه ، لكن يصاب بعض الأشخاص بخيبة أمل حينما يجد عند من قصده عدم انتباه أو أهتمام بل ويتجاهله وكأن لم يكن بينهما في يوم من الأيام صداقة أو علاقة أو زمالة ، بل تجد أن مركزه الذي هو فيه قد زاده غرورا واعتزازا ، وبدلا من أن يجعله مركزه أكثر تواضعا وخدمة للناس نجده قد ازداد كبرا . والبعض يكون رده أنه لا يستطيع المساعدة والخدمة ، والبعض يتشدق ويتفيهق ويبرر ويتعلل بتعليمات وأنظمة ، والبعض الآخر يعتذر بأنه لا يحب الواسطة أو أن يكون واسطة .

هل تعامل هؤلاء مع من يعرفوهم صحيح أم خطأ ؟، وهل التعامل بهذا الشكل صحيح أم خطأ ؟

أنا أرى من وجهة نظري المحدودة أن ذلك التعامل خطأ ، لماذا ؟

لأن الشخص الذي جاء إليك قاصدا أن تخدمه ، رأى فيك أنك الشخص القادر على مساعدته وخدمته وقضاء حاجته ، فصدم بك وبتعاملك . وبعض الأشخاص قد أعطاهم الله موهبة صياغة الكلام وفن الطلب والقدرة على جذب انتباه وإصغاء المستمع فبتلك الموهبة يستطيع من بيده قضاء الحاجة المطلوبة قضاءها ، بينما صاحب الحاجة كان لا يستطيع أن يوصل طلبه لو كان هو المتحدث ثم لن تقضى حاجته . وبعض الأشخاص نظرا لما يتولاه من منصب تعليمي أو اجتماعي يقصده الناس ليقضي لهم حاجتهم لعلمهم أنه لا يرد له طلب ، فيخلف ظنهم ذلك الرجل .

إن خدمة الناس ومساعدتهم وقضاء حوائجهم عمل جميل وعمل إنساني رائع يدل على نمو وتكامل شخصية ذلك الرجل الذي يساعد على قضاء تلك الحوائج ، وبما أن المساعدة على قضاء حوائج الناس لن تكون سببا في إيقاع أذى بأحد أو ظلم على أحد أو مخالفة للأنظمة أو انتهاك وابتزاز لحقوق آخرين فليست ضارة أو فيها ضرر ، وتعتبر واسطة خير وليست واسطة شر . حيث واسطة الشر هي من تتلاعب وتخالف وتغير وتحل ناس محل ناس وتهضم حقوق ناس ، يقول الشاعر :

فرضت علي زكاة ما ملكت يدي

وزكاة جاهي أن أعينا وأشفعا

فإذا ملكت فجد وإن لم تستطع

فاجهد بوسعك كله أن تنفعا

إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم كانوا يسعون في خدمة الناس ويقضون حوائجهم .

يقول الشاعر :

الناس بالناس ما دام الوفاء بهم

والعسر واليسر ساعات وأوقات

وأفضل الناس ما بين الورى رجل

تقضى على يده للناس حاجات

لا تمنعن يد المعروف عن أحد

ما دمت مقتدرا والعيش جنات

قد مات قوم وما ماتت مكارمهم

وعاش قوم وهم في الناس أموات

إن من يساعد الناس ويعمل على قضاء حوائجهم إنه يعمل عملا جليلا ويغرس في نفوسهم الأمل بأن الأخوة الاسلامية ما زالت قائمة وأن المروءة مازالت حية في نفوس الرجال وأن التعاون والمحبة والتراحم هي من صفات خير أمة أخرجت للناس.

د. ضيف الله مهدي

مستشار تربوي ونفسي وأسري واجتماعي - عضـو مشارك بـ صحيفة شفق الالكترونية
المدينة : جدة
الايميل : [email protected]
الجوال : 0501963560

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى