الـحـسد
انفعال يشعر فيه الإنسان أن شخصا آخر يمتلك شيئا ما يتمنى هو أن يكون لديه هذا الشي بدلا من أن يكون لهذا الشخص . فقد يحسد الإنسان شخصا لأنه يمتلك ثروة كبيرة كان يتمنى هو أن تكون لديه هذه الثروة . وقد وصف القرآن الكريم هذا النوع من الحسد حينما خرج قارون في زينته على قومه فحسده بعض الناس ، وتمنوا أن يكون لهم مثل ما لقارون من أموال وذهب . قال تعالى :( فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أُوتي قارون إنّه لذو حظ عظيم ) القصص .
مثل هذا النوع من الحسد شائع بين كثير من الناس ، فكثير منه يحسدون غيرهم على ما خصهم الله به من أموال أو أبناء أو صحة أو نجاح . وقد وصف القرآن حسد اليهود والمشركين للنبي عليه الصلاة والسلام على ما خصه الله به من فضل النبوة ، وحسدهم للمؤمنين على ما خصهم الله به من فضل الإيمان والهداية . قال تعالى : ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) سورة البقرة .
وقد يحسد الأخ أخاه على ما فضله الله عليه من مواهب مختلفة ، ولذلك كان تحذير يعقوب ليوسف عليهما السلام من أن يقص رؤياه على إخوته خوفا من حسدهم له ، مما قد يدفعهم إلى إيذائه . قال تعالى :( قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) سورة يوسف .
والحسد مثل الغيرة يثير الحقد والكراهية ويدفع إلى تمني وقوع الأذى للشخص المحسود ،وقد يدفع إلى العدوان وإلحاق الأذى بالشخص المحسود . فقد قتل قابيل أخاه هابيل ، وقام إخوة يوسف بإلقائه في غور البئر . ولما كان الحسد يؤدي إلى كراهية وعدوان وأذى فقد وجهنا الله إلى أن نستعيذ من شر الحاسدين . قال تعالى :( .. ومن شر حاسد إذا حسد ) سورة الفلق.
ولا شك أن الحسد من آفات النفوس التي حيرت جهابذة العلماء ، وأتعبت أصحاب أبحاث علم النفس والفلسفة . ونحن المسلمون نعلم أن الإسلام ليس عملا صامتا بالجوارح ، وإنّما هو مقترن بالإرادة الصادقة ، والنية الصالحة ، والعلم بما يفسد الأعمال من نزعات الهوى ، وآفات القلوب والنفوس . ولماذا نبتعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( دبّ إليكم داء الأمم قبلكم ، الحسد والبغضاء ، والغضة هي الحالقة ، لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين ، والذي نفس محمد بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا أنبئكم بما يثبت ذلك : افشوا السلام بينكم ) أخرجه الترمذي .
والحسد منه المذموم والمستحسن ، فالغبطة من الحسد المحبوب أو المحمود أو المستحسن ، وهو أن تحب أن يكون لك مثل ما للإنسان المحسود ، ولا تتمنى زوال ذلك عن ذلك الشخص وتتمنى بقاءه له ، أمّا المذموم فهو أن تتمنى زوال ما عنده ويكون لك .
وفي صحيح البخاري : حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثني إسماعيل بن أبي خالد على غير ما حدثناه الزهري قال سمعت قيس بن أبي حازم قال سمعت عبد الله بن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ) . وهذا النوع من الحسد المحمود.