الثقافيةمقالات

الـحـسد ..! د. ضيف الله مهدي

الـحـسد

انفعال يشعر فيه الإنسان أن شخصا آخر يمتلك شيئا ما يتمنى هو أن يكون لديه هذا الشي بدلا من أن يكون لهذا الشخص . فقد يحسد الإنسان شخصا لأنه يمتلك ثروة كبيرة كان يتمنى هو أن تكون لديه هذه الثروة . وقد وصف القرآن الكريم هذا النوع من الحسد حينما خرج قارون في زينته على قومه فحسده بعض الناس ، وتمنوا أن يكون لهم مثل ما لقارون من أموال وذهب . قال تعالى :( فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أُوتي قارون إنّه لذو حظ عظيم ) القصص .
مثل هذا النوع من الحسد شائع بين كثير من الناس ، فكثير منه يحسدون غيرهم على ما خصهم الله به من أموال أو أبناء أو صحة أو نجاح . وقد وصف القرآن حسد اليهود والمشركين للنبي عليه الصلاة والسلام على ما خصه الله به من فضل النبوة ، وحسدهم للمؤمنين على ما خصهم الله به من فضل الإيمان والهداية . قال تعالى : ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) سورة البقرة .
وقد يحسد الأخ أخاه على ما فضله الله عليه من مواهب مختلفة ، ولذلك كان تحذير يعقوب ليوسف عليهما السلام من أن يقص رؤياه على إخوته خوفا من حسدهم له ، مما قد يدفعهم إلى إيذائه . قال تعالى :( قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) سورة يوسف .
والحسد مثل الغيرة يثير الحقد والكراهية ويدفع إلى تمني وقوع الأذى للشخص المحسود ،وقد يدفع إلى العدوان وإلحاق الأذى بالشخص المحسود . فقد قتل قابيل أخاه هابيل ، وقام إخوة يوسف بإلقائه في غور البئر . ولما كان الحسد يؤدي إلى كراهية وعدوان وأذى فقد وجهنا الله إلى أن نستعيذ من شر الحاسدين . قال تعالى :( .. ومن شر حاسد إذا حسد ) سورة الفلق.
ولا شك أن الحسد من آفات النفوس التي حيرت جهابذة العلماء ، وأتعبت أصحاب أبحاث علم النفس والفلسفة . ونحن المسلمون نعلم أن الإسلام ليس عملا صامتا بالجوارح ، وإنّما هو مقترن بالإرادة الصادقة ، والنية الصالحة ، والعلم بما يفسد الأعمال من نزعات الهوى ، وآفات القلوب والنفوس . ولماذا نبتعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( دبّ إليكم داء الأمم قبلكم ، الحسد والبغضاء ، والغضة هي الحالقة ، لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين ، والذي نفس محمد بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا أنبئكم بما يثبت ذلك : افشوا السلام بينكم ) أخرجه الترمذي .
والحسد منه المذموم والمستحسن ، فالغبطة من الحسد المحبوب أو المحمود أو المستحسن ، وهو أن تحب أن يكون لك مثل ما للإنسان المحسود ، ولا تتمنى زوال ذلك عن ذلك الشخص وتتمنى بقاءه له ، أمّا المذموم فهو أن تتمنى زوال ما عنده ويكون لك .
وفي صحيح البخاري : حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثني إسماعيل بن أبي خالد على غير ما حدثناه الزهري قال سمعت قيس بن أبي حازم قال سمعت عبد الله بن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ) . وهذا النوع من الحسد المحمود.

د. ضيف الله مهدي

مستشار تربوي ونفسي وأسري واجتماعي - عضـو مشارك بـ صحيفة شفق الالكترونية
المدينة : جدة
الايميل : [email protected]
الجوال : 0501963560

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى