التقليد أو المحاكاة من سنن الله في المجتمعات ، حتى أن البعض وصفه بأنه غريزة فطر الإنسان عليها . وبعضهم أعتبرها قانونا . ويذكر ابن خلدون في مقدمته الشهيرة ( التقليد ) ويسميه بأسماء عدة مثل : المحاكاة والتشبه والإقتداء ، ويوضح تأثيره في الحياة الاجتماعية بوجه عام ، وفي انتشار الحضارة وفي التربية والتعليم بوجه خاص ، ويقول : ( إن القياس والمحاكاة للإنسان طبيعة معروفة ) وذكر أنواعا كثيرة للتقليد ومنها :
1ـ تقليد الأفراد للأفراد .
2ـ تقليد الجماعات للجماعات .
3ـ تقليد الأبناء للآباء .
4ـ تقليد المتعلمين للمعلمين .
5ـ تقليد الرعية للحكام .
6ـ تقليد الأخلاف للأسلاف .
7ـ تقليد المغلوب للغالب .
8ـ تقليد الغالب للمغلوب .
وغير ذلك من أنواع التقليد ..
لكن الذي يندى له الجبين أن البعض قد أفرط في التقليد ، والكثير من شبابنا بات يقلد ، سواء فنانين أو لاعبين أو أشخاصا آخرين . يقلدون أولئك في حلاقة شعر الرأس أو اللباس ، وفي المشي والحركات ، وغير ذلك .. وأصبح الكثير يقلد ما يراه يعرض في الفضائيات والبعض من الشباب أفتتن بما يشاهده ، وبات الكثير يقلد الغرب في كل شيء ، ولو ذهب أحدنا إلى مكان لتجمع الأشخاص لمدة من الزمن أو إلى الأسواق أو مشاهدة مباراة في كرة القدم لشاهد العجب العجاب من تقليد في اللباس وقصات الشعر والأحذية وغير ذلك . كل ذلك جاء إلينا من الغرب وقلده شبابنا ، وهذا هو التقليد المذموم أما التقليد الحسن فهو مطلوب ، ولكن هل قلدناهم في البحث العلمي ، والدراسة ، والاكتشافات العلمية والقراءة وحرصهم على الوقت ؟!
لماذا نقلدهم ؟
إن من أسباب تقليدنا لهم شعورنا بأنهم أحسن منا .. فالأمة العربية والاسلامية قد مرت ولا زالت بفترة ضعف وانهزام ويقول عبد الرحمن بن خلدون : ( ترى المغلوب أبدا يتشبه بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه وفي سائر أحواله ، ويصرح بأن النفس تنتحل جميع مذاهب الغالب وتتشبه به وذلك هو الاقتداء ) . ويرجع ابن خلدون أسباب هذا التقليد إلى نزعة نفسية يعبر عنها بقوله : ( إن النفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه ).
فمتى نقلد تقليدا يعيد لنا قوتنا وتعود أمتنا قوية كما كانت من قبل ، حينما هزمت الفرس والروم والفرنجة ودخلت أسبانيا وكونت هناك دولة إسلامية عظيمة ، وكان شباب أوروبا يقلد العرب في كل شيء حتى اللباس ، لأنها كانت أمة غالبة منتصرة ؟!!!
