الثقافيةمقالات

التسول .. د.ضيف الله مهدي

حب المال غريزة في نفس الإنسان ،فهو يحبه حبا جما لقوله تعالى : ( وتحبون المال حبا جما ). أي حبا كثيرا زاد بعض العلماء فاحشا . ويقول الله تعالى : ( وإنه لحب الخير لشديد ). ويقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام : ( لوكان لإبن آدم واديان من ذهب لأبتغى إليهما ثالثا ،ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ).
ولم ينه الله أو يحذر أو يوبخ من جمع المال بالطرق المشروعة ، بل حثه على السعي في مناكب الأرض من أجل كسبه ،شريطة ألا ينسيه ذلك ذكر الله سبحانه وإقامة الصلاة وتربية الأبناء وتنشئتهم النشأة السليمة . أما جمع المال بالطرق غير المشروعة فسوف يحاسب عليها حسابا شديدا .. ولن تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ومنها ، ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه إلى آخر ما ذكر في الحديث الشريف.
وأصبح في الأيام هذه كثير من الناس يجمعون المال بطرق غير مشروعة ويتحايلون على الناس ويمثلون عليهم ويستخدمون ذكاءهم وفطنهم ولغة أجسادهم حتى يأخذوا أموال الناس ، وهم يحسبون أنهم قد فعلوا أمرا يحمدون عليه حينما استولوا على أموال الناس . ومن أسهل الطرق اليوم لجمع المال هي عملية ( التسول) والتي أصبحت في هذه الأيام ظاهرة من أكبر وأعظم الظواهر الاجتماعية –السلبية طبعا-وانتشرت بشكل يدعو للخوف والقلق والحيرة ، ولا تجد مدينة أو محافظة أو قرية أو هجرة إلا وفيها متسولين .. ولقد ذهبت إلى كثير من مدن وقرى وطني الحبيب ووجدت هذه الظاهرة . وهم من بعض المتخلفين أو الوافدين إلى هذه البلاد بطرق نظامية أو غير نظامية ،وتجد كثير منهم بهم عاهات جسدية أو حسية وتشوهات خلقية .. ومما يزيد النفس ألما على الألم الذي تعايشه من جراء ممارسة التسول هو قيام أطفال صغار بالتسول وآباؤهم أو أمهاتهم بالقرب منهم يحثونهم على متابعة ذلك الشخص وطلبه أن يعطيه صدقة وتسمع من هؤلاء الأطفال كلاما ودعوات لا يستطيع الكبار أن ينطقوا بها ،ولكنهم قد تعلموها وحفظوها وأجادوها إضافة إلى استخدامهم للغة الجسم من انكسار في العيون وحزن وأسى ووجوم باد على الوجوه وتخشب في بعض أجزاء الجسم .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وإذا كان هؤلاء الأطفال أصبحوا يمارسون الاحتيال والابتزاز وماهرين فيه بدرجة الامتياز مع مرتبة الشرف ، فكيف بالله سيكون هؤلاء عندما تكون أعمارهم في العشرينات فاكثر ؟ااا. وهل سيكون هؤلاء الأطفال الذين أعمارهم بين الخمس سنوات إلى عشر سنوات رجالا أسوياء في مقتبل العمر ؟ وهل سيخدمون مجتمعهم أم أنهم سيكونون عالة ووباء لهذا المجتمع وأداة هدم له حينما لا يستطيعون خدمة أنفسهم أو خدمة مجتمعهم لأنهم تربوا وتعودوا على الأخذ دون العطاء وبطرق الاحتيال والمكر والخديعة . وهؤلاء المتسولين يطلبون ريالا واحدا ولكن المتسولين السعوديين يطلبون مئة ريال ومئتين وخمسين وعشرين وعشرة ريالات .. وأقل شيء يطلب غداء ممكن يصل لأربعين ريال ، ويحرجونك بكثر الطلب والوقوف عندك ولا يستحون أن يطلبوا من الأطفال في سيارات آبائهم ومن أمهاتهم اللآتي في السيارة !!. فلابد من وقفة أمام هؤلاء المتسولين وخاصة الأطفال لمصلحتهم ومصلحة مجتمعهم وعدم تعويدهم على الأخذ دون العطاء .

د. ضيف الله مهدي

مستشار تربوي ونفسي وأسري واجتماعي - عضـو مشارك بـ صحيفة شفق الالكترونية
المدينة : جدة
الايميل : [email protected]
الجوال : 0501963560

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى