مقالات

التفكير الواعي والنجاح!!

بقلم: عيسى المزمومي

في خضم تلاطم أمواج الزمن المتسارعة وتغيراته اليومية التي تكاد تلتهم لحظات التأمل، يبرز التفكير الواعي كمنارة خفية توجه الإنسان نحو قرارات تحمل أبعادًا أعمق من مجرد الصواب والخطأ، إنه ليس مجرد عملية عقلية جافة، بل حالة وجودية تستند إلى ارتباط عميق بين الوعي والعقل، حيث يعيد الإنسان تعريف ذاته ويعيد صياغة علاقته بالعالم.
إن التفكير الواعي أشبه بعدسة مُكبِّرة تسلط الضوء على التفاصيل المغيبة، تلك التي تحمل بين طياتها مفاتيح اتخاذ القرار، فهو يقود الإنسان إلى وضع الأمور في نصابها الحقيقي، متسلحًا بخبرات الماضي، وذاكرة جمعية تختزن في أعماقها سرديات إيجابية وتجارب صقلتها الحياة، وبين هذه التأملات، ينشأ الحد الفاصل بين القرار الحكيم الذي يحمل في جوهره معنى البصيرة، والقرار العابر الذي ينساق خلف أهواء اللحظة!!
قد يبدو النجاح ظاهريًا كحصيلة تراكمية للجهود، لكنه في جوهره العميق نتيجة لتفاعل التأمل الواعي مع الإدراك الذاتي، فحينما يدرك الإنسان عمق ظروفه وقدرته الحقيقية على تحقيق النجاح، يصبح التفكير الواعي أداةً لخلق واقع متجاوز، وهنا، لا تصبح القرارات مجرد اختيارات، بل انعكاسات لرحلة داخلية تتجلى آثارها على مر الزمن.
الشخص الواعي ليس مجرد فرد يضبط أفعاله وسلوكياته، بل هو في جوهره كائن يسكن لحظته بكامل حضوره، ويعلو فوق هفوات الانفعال، ويجد في احترام الرأي المخالف صدى لفهم أعمق لمعنى التعددية الإنسانية، وهناك فرق شاسع بين إنسان يعيش كريشة في مهب الريح، يقتات على التسويف ويلقي بأخطائه على كواهل الآخرين، وبين إنسان يدرك أهدافه كضوء في نهاية نفق، فيسير نحوها بخطى ثابتة متكئًا على تجارب الماضي كجسر نحو المستقبل!!
التفكير الواعي لا ينفصل عن العقل الباطن، بل يتفاعل معه في حوار مستمر، يحول الصعوبات إلى فرص، ويعيد صياغة الألم كتجربة إيجابية تنير الطريق، وفي هذا السياق، تصبح المهارات الإنسانية والقراءة والتأمل وسائل لتغذية هذا الحوار العميق، حيث يُعاد اكتشاف الذات ويعاد تعريف النجاح بوصفه رحلة من الإبداع والتوازن بين العقل والعاطفة!!
إن الوعي بحد ذاته كاريزما، فهو ينضح بالهدوء والسكينة، ويترجم عبر سلوكيات رصينة تتسم بالتأمل وضبط النفس، وطرح الأسئلة العميقة التي تفتح أبواب الحلول. فالنُبل الحقيقي للإنسان الواعي يكمن في رفضه للكذب والتسويف، وفي شجاعته لمواجهة نفسه قبل أن يواجه العالم.
وإذا نظرنا إلى الأسماء التي أضاءت سماء النجاح بوهج الفكر الواعي، تبرز تجربة الدكتورة “حنان بنت عبد الرحيم الأحمدي” كلوحة تتداخل فيها ألوان الطموح والبصيرة مع ظلال التحديات، هذه الأكاديمية، التي ترعرعت في بيت أدب وفكر، لم تكن ترى النجاح مجرد مقصد، بل حالة مستمرة من العطاء والتجدد، تأثرت بوالدها الأديب عبد الرحيم الأحمدي، واستقت من بيئتها شغف المعرفة، فصنعت لنفسها طريقًا مُزجت فيه بين الإبداع العلمي والقيادة الإنسانية.
من محافظة الجموم إلى عضوية مجلس الشورى، شقت الدكتورة حنان طريقها بعزم نادر، وحملت معها حلم الطفولة، وصقلته بالتعليم العالي الذي بدأ من جامعة الملك سعود، مرورًا بدرجات أكاديمية مرموقة من الولايات المتحدة، لكنها لم تكتفِ بالدرجات العلمية، بل جعلت من تجربتها منصة لمشاركة الأفكار، سواء من خلال التدريس في الجامعات أو تمثيل المملكة في المحافل الدولية!
إن تجربة الدكتورة حنان ليست مجرد مسيرة نجاح تقليدية، بل نموذج لروح تعي أن النجاح الحقيقي ليس في الوصول إلى القمة، بل في الاستمرار في تسخير العقل الواعي لإعادة تعريف القمم نفسها، تجربتها تذكرنا بأن العقل الواعي ليس مجرد أداة، بل أسلوب حياة ينطوي على تفكيك المعاني المألوفة وبناء عالم جديد من الداخل إلى الخارج، حيث يصبح النجاح انعكاسًا لانسجام الذات مع الكون!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى