في عالم يتسارع فيه الإيقاع حتى تتلاشى ملامح الأيام في زحام الحياة، يبقى الحلم ذلك الضوء الخافت الذي يقودنا وسط عتمة التحديات. إنه ليس ترفًا فكريًا ولا وهمًا عابرًا، بل هو جوهر إنسانيتنا ومرآة لما نحن قادرون على تحقيقه. والسؤال الذي يتردد في أعماقنا: هل أستطيع تحقيق حلمي؟
الأحلام ليست مجرد صور عابرة نرسمها في خيالنا، بل هي قوة محركة تسكن أعماقنا، تنير دروب المستقبل الذي نصوغه بأنفسنا. إنها تجسيد للإمكانات الكامنة في دواخلنا. ومع ذلك، فإن الإيمان بالحلم ليس كافيًا؛ فهو البداية فقط. الحلم يحتاج إلى شجاعة تُصارع العثرات، وإرادة تتحدى الإحباط، وأمل يضيء في أحلك اللحظات.
في كل رحلة لتحقيق حلم، قد تواجهنا عقبات تبدو كجبال شاهقة، لكنها في جوهرها ليست سوى مرايا تعكس مخاوفنا الذاتية. القيود الحقيقية لا تكمن في الخارج، بل في تلك الأصوات المثبطة داخلنا التي تهمس: “هذا مستحيل”، “لست كافيًا”. عندما نواجه هذه الأفكار، نكتشف أن القوة الحقيقية تكمن في تجاوزها. وكما قال نيتشه: “ما لا يقتلني يجعلني أقوى”، فإن التحديات ليست إلا أدوات لصقل جوهرنا وتحقيق أعمق طموحاتنا.
ويعتبر الشاعر السعودي المبدع جاسم الصحيح درسًا عميقًا في الإصرار وتجاوز المستحيل، وهو الذي لم يرَ في الشعر مجرد كلمات عابرة أو فيض مشاعر، بل وسيلة لفهم الوجود وإعادة تشكيل الهوية. رغم خلفيته الهندسية، لم تثنه تحديات الحياة عن متابعة شغفه، فحوّل موهبته إلى صوت إنساني يعبر عن الأمل والألم، حتى أصبح رمزًا يُشار إليه بالبنان.
في حديثه عن تجربته، يؤكد الصحيح أن كل إنجاز ليس نهاية الطريق، بل محطة للتزود بالطاقة لمواصلة الرحلة. يرى أن الفوز ليس انتصارًا على الآخرين، بل مسؤولية أكبر تجاه الإبداع والكتابة. “الشعر طريق لا حدود له”، كما يقول، وهو يشبه البحث عن الحقيقة: مستمر، شاق، ومليء بالاكتشافات.
من قصيدته “كالأبجدية بعد حرف (الياء)” إلى احتفائه بجذوره في الأحساء، يعكس الصحيح فكرة أن الحلم يتجاوز كونه طموحًا فرديًا ليصبح حالة من الوجود. الأحلام ليست فقط ما نصبو إليه، بل ما نعيش من أجله. إنها إعادة تشكيل لأنفسنا وصياغة لهويتنا على ضوء طموحاتنا وتطلعاتنا.
تحقيق الأحلام ليس مجرد غاية، بل رحلة تُعيد تعريفنا. يتطلب ذلك وضوحًا في الرؤية، وصبرًا على الطريق، واستمرارية لا تُضعفها العقبات. الفشل جزء من هذه الرحلة، لكنه ليس النهاية؛ بل هو إعادة توجيه البوصلة نحو الوجهة الصحيحة.
“نعم، أستطيع تحقيق حلمي” ليست مجرد عبارة؛ إنها دعوة للارتقاء بأنفسنا، وللإيمان بأننا قادرون على صنع المستحيل. الحياة تمنحنا فرصة في كل يوم لنبدأ من جديد. ما يبدو بعيد المنال اليوم قد يصبح غدًا حقيقة نعيشها إذا آمنا بقدرتنا على العمل والتغيير.
الحلم ليس أمنية نتمسك بها فقط، بل هو دعوة مستمرة للبحث عن جوهرنا. إنه الطاقة التي تدفعنا للارتقاء بما نحن عليه، والوسيلة التي نتجاوز بها حدود الممكن. داخل كل منا طاقة هائلة تنتظر أن تُطلق، وقدرة كامنة لا تعرف المستحيل.
فلنحلم بشجاعة، ونعمل بلا كلل، ونتشبث بتلك الشرارة التي تضيء الطريق. فالرحلة نحو تحقيق الأحلام ليست فقط لبناء المستقبل، بل لصقل الحاضر وعيش اللحظة بأعمق صورها.