الثقافيةمقالات

الصراع النفسي الحلقة الأولى.. د . ضيف الله مهدي

تعتبر الدوافع بمثابة القوة الدافعة أو الطاقة المحركة للكائن الحي وللإنسان، حاجات كثيرة، منها ما هو أساسي لا غنى عنه لأنه يتوقف عليها حفظ حياته وبقاء نوعه. ومنها ما هو هام وضروري لتحقيق أمنه النفسي وسعادته. وتنبعث من هذه الحاجات دوافع تدفع الإنسان إلى القيام بنشاط توافقي لإشباع هذه الحاجات. ويقسم علماء النفس الدوافع إلى فئتين وهما الدوافع العضوية أوالفسيولوجية ، والدوافع الاجتماعية وحاجات الإنسان أو دوافعه كما قلت قد تكون حاجات فسيولوجية تتعلق بما يحدث في بدنه من اختلال في الاتزان العضوي والكيميائي، كنقص كمية الغذاء في الدم، أو نقص كمدية الماء في أنسجة الجسم، فتنبعث من هذه الحاجات دوافع تدفع الإنسان إلى النشاط والسعي للحصول على الطعام والماء لإشباع حاجاته، ولإعادة بدنه إلى حالته السابقة من الاتزان . وتسمى هذه الدوافع بالدوافع الفسيولوجية، وهي دوافع فطرية غير مكتسبة، وهي عامة يشترك فيها جميع أفراد الحيوان والإنسان . وهذه ا لدوا فع هي الجوع، والعطش، والتنفس، والجنس، والراحة ( النوم ) ، وتجنب الحرارة والبرودة، والإخراج ( ا لتبرز والتبول ) وتجنب الألم العضوي، والأمومة. وللإنسان أيضا، إلى جانب هذه الحاجات الفسيولوجية، حاجات أخرى كثيرة نفسية وروحية، بعضها هام وضروري لتحقيق أمنه وسعادته. ، وهو يشعر أيضا بالحاجة إلى الإنجاز والنجاح والتفوق وتحقيق طموحاته في الحياة، مما يكسبه الثقة بالنفس، ويحقق له الشعور بالرضا النفسي والسعادة. وللإنسان حاجات نفسية أخرى كثيرة تتكون أثناء تنشئته الاجتماعية. وقد ذكر القرآن الكريم كثيرا من دوافع الإنسان الفسيولوجية والنفسية والروحية ، وتناول الحديث النبوي الشريف أيضا بعض دوافع الإنسان الأساسية الفسيولوجية والنفسية والروحية، وبعض ا لدوافع يتعلق بحفظ الذات، وبعضها يتعلق ببقاء النوع . فالدافع الجنسي ودافع الأمومة يتعلقان ببقاء النوع . وأما الدوافع الفسيولوجية الأخرى فتتعلق بحفظ الذات. وقد أشارت بعض الأحاديث النبوية الشريفة إلى بعض الدوافـع الفسيولوجية التي تنتمي إلى كل من هذين النوعين من الدوافع. ويحدث ما يسمى بالصراع النفسي بين الدوافع ، وحالات الصراع يمر بها الكثير من الناس في حياتهم اليومية ، وهي كثيرة ومختلفة ، فهذا طفل يناقش موقفه مناقشة داخلية وعنده حيرة في تنفيذ ما طلب والده منه ، وهو مذاكرة دروسه ، وميله للعب مع أقرانه ، أو مشاهدة برامجه التلفزيونية المفضلة ، وهذا شاب يصارع نفسه محتارا بين تقرير الالتحاق بكلية الطب بناء على رغبته أن يصبح طبيبا ، وبين نسبته التي حصل عليها ولا تؤهله للدخول والانتساب لهذه الكلية . وغيرها الكثير . وهذه الأنواع المختلفة من الصراع في حياتنا اليومية تقود عددا غير قليل من الناس إلى المتاعب والآلام ولا تقف حالات الصراع عند هذا الحد ، بل إنها تقود أحيانا إلى توترات واضطرابات نفسية شديدة ، وقد تكون الطريق إلى حالات الشذوذ القاسية .
تعريف الصراع النفسي :
نستطيع تعريف الصراع بأنه : حالة يمر بها الفرد حين لا يستطيع إرضاء دافعين معا أو عدة دوافع ، ويكون كل منها قائما لديه .
الصراع هو : العمل المتزامن أو المتواقت للدوافع أو الرغبات المتعارضة ، أو المتبادلة ، وينتج عن وجود حاجتين لا يمكن إشباعهما في وقت واحد ، ويؤدي إلى التوتر الانفعالي ، والقلق ، واضطراب الشخصية .
والصراع حالة نفسية مؤلمة يشعر بها الفرد وذلك بوجود رغبات ونزاعات وحاجات متناقضة لا يمكن تحقيقها معا . فقد يوجد لديه دافعان يريد إشباعها في وقت واحد ، ولكن ذلك يكون مستحيلا لأن كل منهما في اتجاه مضاد لاتجاه الآخر ، ويدفع الفرد لنشاط مخالف ، ولا يمكن إشباعها دفعة واحدة .
ويرافق وجود الصراع شعور الرد بالضيق والقلق والتوتر ، مما يحرض الفرد ويدفعه للاستجابة السريعة والخروج من هذا الموقف الضاغط بسرعة .
تحليل الصراع النفسي :
يحتل الصراع مكانة هامة بالنسبة لحالات الشذوذ لأنه كما قلت سابقا قد يكون الطريق إليها ، ويواجه كل فرد منا العديد من المواقف التي تنطوي على صراعات نفسية ، فالطالب يمر بحالة صراع نفسي حين يكون عليه الاختيار بين نوع الدراسة التي سيلتحق بها ( أدبي أم علمي ، لغة إنجليزية أم فرنسية ، الهندسة أو الطب أو الزراعة أو الحاسب الآلي ) والرجل حين يكون عليه أن يختار العمل أو الوظيفة المناسبة له ، وحين يختار الزوجة وشريكة الحياة ، والطفل حين تُعرض عليه ألعاب أو لعب مختلفة . ويحدث الصراع عندما يواجه الشخص في موقف ، يتضمن شروطا عدة أثناء تفاعله مع محيطه . ولكل عنصر في الموقف أثر في الشخص . ومن هنا نقول : إن الموقف الذي ينطوي على صراع نفسي يتميز بما يلي :
1ـ إن كل عنصر في الموقف ، إما أن يدفع الشخص إلى الشيء ( انجذاب نحو ، وإشارته + ) أو أن يدفعه للابتعاد عنه ( انجذاب عن ، وإشارته ــ ) . فالأول إقدام إلى ، والثاني إحجام عن .
2ـ إن هذه القوى ليست متساوية في شدتها وقوتها . ويكون الشخص عرضة للصراع النفسي ( أي في موقف صراع ) ، بسبب هذه القوى التي تتجاذبه ( سواء أكانت تدفعه إلى الشيء أم إلى الابتعاد عنه ) .
3ـ إن هذه القوى التي تتجاذب السلوك والشخصية ، قد يكون مصدرها قوى ودوافع داخلية المصدر ، وقد تكون خارجية المصدر .
4ـ إن الموقف الذي يتعرض فيه الفرد لحالة الصراع ، يدفعه دوما للقيام بسلوك من أجل التكيف مع الموقف ، وإنهاء الحالة بسرعة ليعيد للشخصية حالة الاتزان . فإذا نجح الشخص في ذلك وأنهى حالة الصراع ( حلّه ) وتمت عملية التكيف فإن الشخصية عادت إلى حالة التوازن . أما إذا فشل في ذلك أو طالت حالة الصراع ولم يتخلص الفرد من آثاره ، فإنه في موقف لا يُحسد عليه ، من اختلال التوازن والقلق يجعل شخصيته عرضة للاضطراب النفسي .
5ـ يرافق حالة الصراع دوما حالة من الإحباط . والسبب في ذلك هو أن الشخص حتى إذا نجح في حل الصراع وإشباع أحد الدافعين ( أو الرغبتين ) فإن ذلك يكون على حساب الدافع الآخر أو الرغبة الأخرى ، الذي يعني الفشل في إشباعه ، وهذا بحد ذاته إحباط . لذلك فالصراع ينطوي دوما على إحباط وقلق .

د. ضيف الله مهدي

مستشار تربوي ونفسي وأسري واجتماعي - عضـو مشارك بـ صحيفة شفق الالكترونية
المدينة : جدة
الايميل : [email protected]
الجوال : 0501963560

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى