الثقافيةمقالات

الصراع النفسي : الحلقة الثالثة أنواع الصراع..د.ضيف الله مهدي

1ـ صراع الإقدام ــ الإحجام : في صراع الإقدام والإحجام نجد أن هناك دافعين متعارضين ، أحدهما يدفعنا لأن نعمل شيء ، بينما يدفعنا الآخر إلى تجنب عمله . فمثلا يرغب الشخص في مشاهدة عرض فني شائق ، ولكن يعرف أن تكاليفه باهظة ، فيقع في صراع بين دافع الإقدام على مشاهدته ، ودافع الإحجام بسبب التكاليف . ومثال آخر ، الصراع بين رغبة الشخص في عمل شيء يرغب فيه جيدا ، وشعوره بتأنيب الضمير وبالذنب إذا عمل هذا الشيء . ومثال آخر ، رغبة الطالب في الدخول في كلية الطب ، ولكن نسبته ومجموع درجاته لا تؤهلانه للالتحاق بهذه الكلية . وكلما ازداد الشخص اقترابا من الهدف كلما زاد قلقه وصراعه النفسي . وهذا الصراع بين الإقدام والإحجام إذا لم يحل ، يجعل الشخص عاجزا عن التصرف ، لا يستطيع أن يقترب ولا أن يبتعد ، بل يعاني التوتر أو يصل به الأمر إلى حد المرض النفسي . وقد يرفض الشخص الاختيار ، وقد يلجأ إلى التأجيل مهما كان موقف الشخص . وتكون الشخصية الناضجة والواثقة أكثر قدرة على المواجهة وحل الصراع من الشخصية غير الناضجة والأقل ثقة .
2ـ صراع الإقدام ــ الإقدام : ويكون لدى الفرد أحيانا رغبتان أو أكثر ، تتعارض أحداهما مع الأخرى ، بحيث أن إرضاء إحدى هذه الرغبات ، يعني التضحية بالرغبات الأخرى . فيقع الشخص في صراع أيهما يختار وبأيهما يضحي . ومثال ذلك الطالب الذي يريد الالتحاق بكليتين ممتازتين ويرغبهما ، ولكن لا يعرف أيهما يختار . ومثال آخر ، الشخص الذي يرغب في الحصول على وظيفة وأمامه وظيفتين مغريتين ، فيقع في الصراع والتردد . ويزداد هذا الصراع كلما زادت أهمية الاختيار وأثره البعيد في حياة الشخص . ولهذا النوع من الصراع أثار ، فغالبا ما يكون الشخص ضعيفا لأن الشخص يحل الصراع بعد حساب مميزات كل من الشيئين الذي يرغب فيهما . إلا أن أثاره تشتد حين يطول بقاء الشخص في الموقف ولم يحسم الصراع بعد أو حين يكون كلا منهما مساويا في قيمته ، فيشعر الفرد بالخسارة حين تخليه عن الآخر .
3ـ صراع الإحجام ــ الإحجام : ويحدث هذا الصراع لدى الفرد حين يكون أمام أمرين كلاهما مر ، أو أحلاهما مر . وأمثلة هذا النوع كثيرة في حياتنا اليومية . فمثلا الشخص الذي أمامه أن يعمل في مهنة شاقة لا يحبها أو يموت جوعا ، أو يمد يده للناس ويذل نفسه . ومثال آخر الجندي في جبهة القتال الذي يكون أمامه الاختيار ، إمّا أن يواجه المخاطر وربما الموت ، أو أن يوصف بالجبن . وآثار هذا النوع من الصراع شديدة ، إن هذا التهديد وما يرافقه من قلق وخوف كثيرا ما يقف خلف العديد من حالات السلوك اللااجتماعي.
كيف نواجه هذه الصراعات ؟
علينا تربية أولادنا على تحمل الصراع وتدريبهم على حله ، حتى ننمي عندهم القدرة على مواجهة الصراعات التي قد يتعرضون لها في مراحل حياتهم المختلفة . كما أن علينا مساعدة أولادنا وتلاميذنا على إدراك ما يعانونه من صراعات ، والاعتراف بها صراحة حتى يمكنهم حلها بسرعة ، قبل أن يصيبهم القلق والاضطراب النفسي ، وقبل أن يلجأوا إلى حلها بالحيل الدفاعية النفسية . كذلك وهو المهم استخارة الله سبحنه في حل الصراع ، وهو من السنن المؤكدة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سعادة ابن آدم استخارة الله ، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله له )، أخرجه احمد والحاكم وأبو يعلي وابن حبان والبزار بسندجيد والترمذي .
وعلى الإنسان الرضا بما كتبه الله فإنك تدعو الله فيما تحب ، فإذا وقع ما تكره فلاتخالف الله فيما أحب . قال داؤود عليه السلام : رب أي عبادك أبغض إليك ؟قال : {عبد استخارني في أمر فخرت له فلم يرض به } . لأن العلاقة بين العبد وربه لها تأثير كبير في التوفيق والإجابة ، وقد يختبر الله عز وجل العبد ليظهر صبره أو كفره أو رضاه أو سخطه فإن لله سبحانه و تعالى ألطاف خفية فيما يراه الناس مصيبة ، فكم من راسب في الاختبار تمكن من النجاح بتفوق في الإعادة ، وكم من فاشل في التعليم فتح الله له أبواب الرزق من حيث لا يحتسب ، فالله يصرف أمور الناس على ما يريد ، ولا تقاس العطايا الإلهية بالمكاسب الدنيوية ، فالله يحمي عبده من الدنيا كما يحمي أحدنا من يحبه من المخاطر ، ويعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ،ولا يعطي الدين إلا لمن يحب . فعليك أن تبذل أقصى جهدك في دراستك وعملك ودعوتك ،وألا تكل ّ ، واترك الأمر لجانب الله تعالى . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم:( المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا ، كان كذا وكذا ،ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ) أخرجه مسلم .
وإن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام قد دلنا ماذا نفعل إذا كنا في مثل هذه المواقف ، وذلك بإقامة صلاة الاستخارة .. قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : ( إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر ـ ويسمي حاجته ـ خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال : عاجله وآجله ـ فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال : عاجله وآجله ـ فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به) رواه البخاري .
فعلى الشخص الذي يكون محتار أن يصلي صلاة الاستخارة ويدعو بذلك الدعاء ثم ينام أو يذهب إلى عمله إن كان في غير وقت النوم ، فإذا شعر براحة وطمأنينة لذلك الأمر الذي سيقدم عليه فليعرف أن له فيه خير وليقدم .. أما إذا شعر أنه غير مرتاح له وقلبه مقبوض فليعرف أن ليس له فيه خير وليبتعد عنه .. وقد يصلي الشخص ، ولكنه لا يشعر براحة أو بخوف من ذلك الأمر ، يعني الأمور وسط ، فماذا يفعل ؟ عليه أن يصلي مرة ثانية ، وثالثة حتى يهتدي إما الراحة والطمأنينة والرغبة أو الخوف والوجل وعدم الرغبة.

د. ضيف الله مهدي

مستشار تربوي ونفسي وأسري واجتماعي - عضـو مشارك بـ صحيفة شفق الالكترونية
المدينة : جدة
الايميل : [email protected]
الجوال : 0501963560

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى