جديد الاخبارمقالات

“اللغة العربية” في الإعلام الحديث: بين التطور والتحدي للحفاظ على الهوية”

روان الوذيناني

في عصرٍ تتسارع فيه التكنولوجيا، ويهيمن فيه الإعلام الرقمي على المشهد الثقافي

تواجه اللغة العربية تحدياتٍ لم تشهدها من قبل. بين محاولات التطوير لمواكبة العصر

والحرص على حماية الهوية اللغوية من التلاشي، يقف الإعلام العربي عند مفترق طرق:

كيف يمكنه تحقيق التوازن بين الحداثة والأصالة؟

الإعلام الحديث.. بين الهيمنة الأجنبية والازدواجية اللغوية

مع انتشار القنوات الفضائية، والمواقع الإخبارية، ومنصات التواصل الاجتماعي، أصبحت اللغة العربية في الإعلام عرضةً لمؤثراتٍ عديدة.

أبرزها المدّ اللغوي الأجنبي الذي فرض نفسه عبر المصطلحات المستوردة، خاصة في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد.

لم يعد غريبًا أن نسمع في نشرات الأخبار عبارات مثل “السياسة المونيتارية”، و*“الأجندة الاقتصادية”*

أو أن نرى محتوى عربيًا يخلط بين الفصحى والعامية، بل وأحيانًا بين العربية والإنجليزية، فيما يُعرف بالـ “عربيزي”.

هذه الازدواجية اللغوية لا تقتصر على الإعلام الرقمي، بل وصلت حتى إلى الصحف التقليدية، التي باتت تستخدم

أساليب تحريرية تميل إلى الاختصار الشديد والتخفف من القواعد اللغوية الصارمة، في محاولة لجذب القارئ السريع الذي لا يمنحه الزمن رفاهية التأمل.

التطور اللغوي.. ضرورة أم خطر؟

يرى البعض أن تطور اللغة أمرٌ حتمي، إذ لم تبقَ أي لغة على حالها عبر التاريخ. فاللغة العربية نفسها مرت بمراحل تطور عديدة منذ العصر الجاهلي، واستوعبت مفردات جديدة من لغات أخرى، لكنها في الوقت ذاته حافظت على أصالتها وقوامها.

إلا أن التحدي اليوم يكمن في أن التطور لم يعد مجرد إضافة مصطلحاتٍ جديدة، بل أصبح يمسّ بنية اللغة نفسها، فتغيّرت أساليب الكتابة، وابتعد الإعلام عن الأسلوب التقليدي الرصين، واتجه إلى البساطة المطلقة، وأحيانًا إلى لغة سطحية تفتقر إلى العمق المعرفي. وهذا ما قد يهدد الهوية اللغوية، حيث تصبح العربية الفصحى مجرد خيارٍ ثانوي أمام اللهجات العامية أو حتى اللغات الأجنبية.

مسؤولية الإعلام في الحفاظ على الهوية اللغوية

الإعلام هو النافذة التي تطل منها الشعوب على ثقافاتها، ولذا فإن الحفاظ على اللغة العربية في الإعلام ليس مجرد واجبٍ ثقافي، بل هو ضرورة وجودية للحفاظ على هوية الأمة. ولتحقيق هذا التوازن بين التطور والهوية، ينبغي للإعلام العربي أن:
1. يعتمد على الفصحى الميسّرة: بحيث تكون اللغة مفهومة وسلسة دون أن تفقد أصالتها وجمالها.
2. يحدّ من استخدام المصطلحات الأجنبية دون مبرر: إلا في حالات الضرورة مع تقديم شرح أو ترجمة.
3. يعزز المحتوى العربي الجاد: بتقديم برامج ومقالات تعكس عمق اللغة وقوتها، بدلًا من الاستسهال في الطرح.
4. يوظف التقنيات الحديثة لخدمة العربية: عبر إنشاء منصات تعليمية، أو تطوير تطبيقات تساعد في الحفاظ على قواعد اللغة الصحيحة.

خاتمة

إن العلاقة بين اللغة العربية والإعلام الحديث ليست علاقة صراع، بل هي فرصة للنهوض بتراثنا اللغوي وتقديمه للعالم بصيغة تتماشى مع التطور دون أن تفرط في الهوية. وكما كانت العربية لغة الحضارة والعلم في عصور ازدهارها، فإنها قادرة اليوم على استعادة مكانتها إذا ما أدرك الإعلاميون والمثقفون مسؤوليتهم تجاهها. فاللغة ليست مجرد كلمات، بل هي هويةٌ وذاكرةٌ، إن ضاعت ضاعت الأمة معها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى