أخبار المجتمع

من عادات الزواج في المدينة المنورة في القرن الخامس عشر

كانت أفراح الزواج تتم داخل الأحياء حيث إن الحي الذي به زواج يعيش الفرحة في أبهى صورها فالأطفال والنساء والرجال في ذلك الحي كلهم يعيشون حياة الفرح بهذه المناسبة السعيدة ويقومون جميعهم بالخدمة والمساعدة والوقوف مع أهل الفرح، وكان حفل الزواج علامة من علامات التعاضد والتكاتف والإيثار بين أهل الحي أنفسهم، فجميع الأدوات اللازمة للزواج وحفله من مفارش وإضاءة وأدوات طبخ وبيوت كل هذه يقوم أهل الحي بالمساهمة فيها، ويقدم كل منهم ماعنده، وبالإضافة لذلك يقدم نفسه للخدمة والمساعدة.. إنها صورة رائعة جميلة ليتها بقيت واستمرت، ولكن الحال تغير هذه الأيام حيث أثرت قصور الأفراح تأثيراً مباشراً في إماتة كل هذا وصارت الأفراح تقام في تلك القصور لاعتبارات نوضحها فيما بعد..
ولكن كيف يبحث الشاب عن فتاة أحلامه؟
من الحقائق الثابتة عن مجتمع المدينة اليوم أنه مجتمع مترابط إلى حد كبير كما أنه مجتمع محافظ على عاداته وتقاليده، متمسك بتعاليم دينه الحنيف، ولذلك فقضية البحث عن زوجة فيه إما تتم بوساطة المعرفة حيث إن هناك قرابة أو معرفة بين أهل الزوج وأهل الزوجة، أو بوساطة بعض النساء كبيرات السن اللاتي لهن معرفة بالبيوت ومافيها فإذا تم تعيين البيت يذهب نساء الزوج إلى أهل الفتاة بأية حجة كانت فيلاحظن الفتاة بطريقة غير مباشرة في كافة أمورها وتصرفاتها وسنها وما إلى ذلك، ثم يعرضن الأمر على أم الفتاة بسرية كاملة ويعلمنها برغبة من أرسلهن، فتقوم أم الفتاة بنقل هذه الرغبة إلى والدها ويتم التشاور في الأمر ودراسته من مختلف الوجوه من قبل والد الفتاة وأمها وربما يشركون الفتاة في الموضوع، فإذا حصلت موافقة مبدئية تقوم والدة الفتاة أو الواسطة بينهما بنقل تلك الموافقة إلى أهل الفتى حيث يقوم والد الفتى بصحبة كبار السن من أقاربه ويأتون منزل والد الفتاة يخطبون ابنته، فيرحب بهم ويكرمهم، وفي هذا إما أن تكون موافقة مباشرة في المجلس منه وإما أن يضرب موعداً آخر لهم.

رؤية الفتاة
بعد الموافقة اعتاد أهل المدينة أن يحددوا موعداً لكي يرى الفتى من يرغب في زواجها، فإذا أتى إلى البيت في الموعد المحدد يجد والد الفتاة وأمها وبعض إخوانها في انتظاره ثم تأتي الفتاة وتقدم لهم جميعاً شاياً أو بعض البارد وهي بكامل لباسها وحشمتها، ثم تذهب إلى داخل الدار فإن راقت للفتى استدعيت وألبسها بعض الحلي وإن لم ترق له ينتهي الموضوع بينهم ويذهب لحال سبيله، وهذه العادة ليست موجودة لدى القبائل الموجودة الساكنة بالمدينة.

قراءة الفاتحة
بعد أن تحصل الموافقة النهائية من أهل الفتاة وتتحقق الرغبة من الفتى يجتمع أهل الفتى وأهل الفتاة في دار أهل الفتاة ويتم مايسمى بقراءة الفاتحة وهذا يعني لديهم حصول الموافقة النهائية والعزم على الزواج بعون الله تعالى ويكون ليلتها عشاء لكل من حضر من الجهتين وهذه لاتتبع لدى القبائل الساكنة بالمدينة، ويستعيض بعضهم عن قراءة الفاتحة بما يسمى الخطبة فقط وهي وليمة يقيمها الفتى في منزل والد الفتاة.

الشبكة ( الملكة )
والشبكة في لغة أهل المدينة أو (( الملكة )) ـ بكسر الميم وسكون اللام ـ هي ليلة عقد القران حيث يجتمع جميع أقارب الفتاة وأهل الفتى في منزل والد الفتاة ويتحدثون سوياً بمحبة وصفاء وفرح – النساء مع النساء، والرجال مع الرجال – وليلتها إن لم يكن سبق أن تم عقد القران قبلها بيوم أو بيومين كما يفعله بعضهم. فإن (المأذون) يأتي إلى الدار ويعقد بينهما حيث يكون هناك عشاء معد من قبل أهل الفتاة لكل من حضر، وأثناء جلوس الرجال قبل العشاء يؤتى بعربة صغيرة مزدانة بالورود وأنواع العطور وبداخلها علبة بها المهر وتوزع على الحاضرين (الحلاوة) وهي نوع من الحلويات معدة لهذا الغرض وتختلف نوعيتها باختلاف فئة أهل الفرح من حيث الغنى والفقر ويقوم الزوج بتأمينها بكميات كبيرة تكفي لكل من حضر وربما ترسل للآخرين من أقرباء أهل الفتاة الذين لم يحضروا. وبعضهم يؤخر عقد القران إلى ليلة الزواج أو قبله بيوم أو يومين، وبعضهم يعقد القران عند حصول الموافقة مباشرة بدون حفل يذكر وهذه لدى بعض القبائل بالمدينة.

المهر
بعد الاتفاق على الزواج يتم تحديد المهر بين الطرفين.. وهذا المهر يختلف كثرة وقلة حسب حالة الزوج ومقدرته، فبعض أولياء أمور الفتيات يراعي حالة الزوج ويساعده ويساهم معه في كل شيء وبعضهم على العكس من ذلك.. ويستلم والد الفتاة المهر ويشتري به بعض الحلى من الذهب وغيره كما يستخدم جزءاً منه في تأثيث البيت ببعض المستلزمات والأغراض ومتوسط مايدفعه الفتى من مهر في هذه الأيام يتراوح مابين عشرين ألفاً إلى ستين ألفاً في المتوسط.

حفل الزواج
بعد إنتهاء عقد القران يتفق الفتى وأهل الفتاة على موعد إقامة حفل الزواج ومكانه حيث أن على الزوج أن يحدد المكان في أحد قصور الأفراح المنتشرة بالمدينة المنورة وتطبع دعوات بهذه المناسبة وتوزع على الأقارب والجيران لأهل الزوج والزوجة وفي ليلة حفل الزواج يأتي الرجال والنساء حيث خصصت أماكن لكل منهما بتلك القصور. وكإظهار للفرح وابتهاجاً بتلك المناسبة يحرص أهل الفتاة على حضور ( الدقاقة ) وهي الأخرى لها مواعيد ولذلك فلابد من التنسيق بين موعدها وموعد القصر وموعد العزم على إقامة الفرح. ( والدقاقة ) هذه امرأة تدق على الدفوف بصحبة أخريات معها تابعات لها وتغني للنساء وهن يرقصن على أغانيها في مكان معد للرقص في جناح النساء. وبعضهم يأتي بمطربة ( مغنية ) ليلة حفل الزواج ويحرص النساء عموماً على حضور حفل الزواج أكثر من الرجال. وتتقاضى (الدقاقة) في ليلتها تلك ما لايقل عن ثمانية آلاف ريال حيث تستمر في دقها وغنائها ومن معها حتى الفجر. أما المطربة فتأخذ مبلغاً أكبر بكثير من هذا المبلغ وهي تغني على الآلات الموسيقية الحديثة، أما الرجال فغالباً مايجلسون ليلة الزواج في مجلس كبير جماعات ووحداناً يتحدثون مع بعضهم البعض ويلعب بعضهم الورق وما إلى ذلك كما أن القبائل منهم الذين يسكنون في المدينة وماحولها يقوم بعض الرجال أيضاً ببعض الألعاب الشعبية ليلة حفل الزواج كلعبة ( الزير ) ( والمراد ) ( والرديح ). أما العشاء ليلة حفل الزواج فإن الزوج يستعد له استعداداً خاصاً ويتفق مع طباخ لهذا الغرض حيث يقدم ( للمعزومين) من الرجال والنساء العشاء والفاكهة وما إلى ذلك ويشترط الطباخ مبلغاً من الخمسة إلى الستة آلاف ريال في المتوسط ويذبح ليلتها من العشرين إلى الخمسة والعشرين رأساً من الغنم في المتوسط.

الموجب
والموجب كما يسميه أهل المدينة بضم الميم وكسر الجيم هو ما يقدم لأم الفتاة وأم الفتى وقريباتها حيث اعتاد بعض النساء أن تقدم كل منهن أو بعضهن لوالدة الفتاة ووالدة الفتى وبعض قريباتها كأختها وخالتها وما إلى ذلك مبلغاً من المال يقل ويكثر باختلاف الناس ابتهاجاً بهذا الزواج أما الرجال فإن كل مدعو إلى هذا الفرح والذين يمتون إلى الزوج بصلة أو صداقة يضع كل منهم مبلغاً من المال في ظرف ويقدمه إلى الزوج كمعونة ومساعدة في زواجه وهو من جانبه يسجل كل من يقدم له شيئاً ليرده إليه في مناسبة جميلة كهذه وفي سابق الزمن كانوا يقدمون أرزاً وسكراً وبعض الذبائح إلا أنهم حالياً استبدلوا كل ذلك بالنقود غالباً.

يوم الحنا
وقبل ليلة الزواج أي في اليوم الذي يسبق الزواج منذ الصباح يذهب أهل الفتاة إلى قصر الأفراح وتستدعى امرأة متخصصة في تزيين ( العروس ) وتقوم بتصليح شأنها وكافة مايلزمها وكان أهل المدينة يسمون هذا اليوم ( يوم الحنا ) وهو اليوم الذي تحنى فيه ( العروس ) في يديها ورجليها إلا أن أكثرهم حالياً تركوا الحنا وصارت المرأة المتخصصة في تزيين (العروس) تستعيض عن الحنا بأصباغ ومواد (للمكياج) حديثة وفي ظهر ذلك اليوم يكون غداء لأقارب الزوج والزوجة في نفس القصر.

الزفة والشرعة
يقصد بالزفة ذلك الغناء والرقص وضرب الدفوف عندما تأتي ( العروسة ) ليلة زفافها حتى تجلس في مكان معد لها وسط النساء وهي بكامل زينتها. أما الشرعة بضم الشين مشددة وسكون الراء فهي جلوسها بكامل زينتها في صدر مكان النساء حيث يزف الزوج هو الآخر عند قدومه ليلة زفافه حتى يصل المكان المعد له بجوارها وهذه لايتبعها بعضهم وهي جلوس الزوج بجوار زوجته وهو بكامل هندامه لابساً عباءة وعقالاً ثم يلبس ( فتاته ) شيئاً من الحلي ثم يأخذها بيده والغناء على أشده من قبل النساء اللواتي أحضرن لهذا الغرض ثم يذهب بها إلى داره وذلك يكون عادة في آخر الليل قرب الفجر وتذهب معها أمها أو قريبة لها. وأحياناً يسير موكب كامل بالسيارات التي تحمل صاحبات الدفوف حتى يوصلنها إلى دارها. وتمتطي العروس مع زوجها سيارة فارهة قد تمت زركشتها في يوم الزواج بمختلف أنواع الورود واللماعة. وللشرعة هذه ثياب وملابس خاصة ولها أنواع كثيرة كما أن لها نساء مختصات بها وبأنواعها وتعد ثياب الشرعة قبل حفل الزواج بأيام وهي عالية التكاليف وبعضهم يأخذها استئجاراً. أو بطريق المعايرة ومن أنواع الشرعة يسمونه ( الشرعة المديني ) وهي أعقد وأجمل أنواع الشرعة وتختص بها المدينة المنورة دون غيرها ولها نساء مختصات فيها.

الصباحية أو الصبحة
وهذه الصباحية أو الصبحة ـ بسكون الباء ـ هي اليوم التالي لليلة الزواج فعندما يصبح أهل الفرح من حفلهم في زواجهم وتكون (العروسة) في بيتها تحضر في الضحى إلى قصر الأفراح وهناك تجد أقاربها وأقارب زوجها في انتظارها لتتقبل منهم الهدايا، كانوا في الماضي يفندونها ويشيدون بكل فرد يقدم (للعروسة) شيئاً من الذهب والحلي ويظهرونه أمام الآخرين.. إلا أن هذه بدأت تضمحل لما بها من إحراج كبير لبعضهم.. أما الهدايا فتتقبلها (العروسة) من كل فرد في العائلة وبعد ذلك تذهب لدارها وتحضر مرة أخرى في وقت الغداء بصحبة زوجها وهذه الهدايا صار بعضهم يقدمها في منزل العروسين بدلاً من قصور الأفراح. ومن العادة أن لايخرج الزوج من داره إلا بعد مرور سبعة أيام على زواجه أما أصدقائه وأقاربه ومعارفه فإنهم يأتون خلال هذه المدة حاملين له الهدايا مع دعائهم بالتوفيق والبركة. كما جرت العادة أن يبدأ الزوج خروجه بعد انتها السبعة الأيام بصلاته لفرض في المسجد النبوي الشريف. وكانوا يقيمون في اليوم السابع من الزواج حفلاً يسمى ( السابع ) تضرب فيه الدفوف ويكون غناء ورقص إلا أن هذا السابع صار بعضهم لايهتم به ويتمسك به آخرون.

نقلا عن :المدينة اليوم
المدينة المنورة في بداية القرن الخامس عشر
محمد صالح البليهشي ص 322-328
مطابع الفرزدق ط 1-1402هـ

 

سحر الجهني

صحيفة شفق الالكترونية
المدينة : المدينة المنورة - فريق التحرير
الايميل : [email protected]
الجوال : 0552543218

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى