تشكل العادات العمود الفقري لحياتنا اليومية، فهي القوة الخفية التي تحدد مساراتنا وترسم ملامح مستقبلنا. ليست العادات مجرد أنماط سلوكية متكررة، بل هي انعكاس عميق لأولوياتنا وقيمنا الداخلية. إن فلسفة بناء العادات الإيجابية تتطلب وعيًا يتجاوز حدود السلوك الظاهري، ليلامس جوهر الإنسان وإرادته في تحقيق التغيير.
يتألف بناء العادة من ثلاثة عناصر مترابطة: المحفز، الروتين، والعائد. المحفز هو الشرارة الأولى التي تدفعنا للتحرك، بينما يمثل الروتين الفعل المتكرر الذي نصوغه، وأما العائد فهو المكافأة التي تمنحنا الدافع للاستمرار. إن فهم هذا التفاعل المستمر بين العناصر الثلاثة يتيح لنا إعادة صياغة عاداتنا لتعمل لصالحنا!
في كل عادة، يكمن تحدٍ رئيسي: كيف يمكننا تحويل المحفزات الروتينية إلى محركات للتطور؟ وكيف نجعل العوائد ليست مجرد مكافآت لحظية، بل دوافع مستدامة للنجاح؟ هنا، يظهر دور الوعي؛ إذ إن إدراكنا للعوامل التي تشكل سلوكياتنا يساعدنا على بناء عادات تعزز من قدرتنا على تحقيق أهدافنا.
إن بناء العادة يشبه زراعة شجرة صغيرة تحتاج إلى العناية والصبر قبل أن تؤتي ثمارها. ليس المهم هو تحقيق نتائج فورية، بل التركيز على الالتزام اليومي بالسلوك الإيجابي، حتى في أوقات الفتور. هذه المثابرة اليومية تحول التكرار إلى طبيعة تلقائية تُصبح جزءًا من هويتنا.
لا يمكن إغفال تأثير البيئة المحيطة في بناء العادات. إن العيش في وسط داعم ومشجع يخلق تربة خصبة للنمو الشخصي. البيئة الإيجابية، سواء كانت مجتمعات داعمة أو علاقات ملهمة، تُعزز من قدرتنا على الاستمرار في مساراتنا الإيجابية، وتساعدنا على التغلب على العقبات.
من أبرز النماذج السعودية الملهمة التي جسدت فلسفة العادات الإيجابية بإبداع وتأثير عميق، تأتي العالمة الدكتورة نجلاء سعد الردادي. استطاعت نجلاء الردادي، من خلال التفاني والالتزام، أن تحفر اسمها في سجل العلماء البارزين الذين أثروا في مسارات العلم والابتكار.
نشأت نجلاء الردادي في المدينة المنورة، حيث بدأت رحلتها العلمية بالحصول على شهادة البكالوريوس في الكيمياء من جامعة طيبة، ثم استكملت دراساتها العليا في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، محققة درجتي الماجستير والدكتوراه في الكيمياء غير العضوية. ومنذ ذلك الحين، أصبح الالتزام بالبحث العلمي والإبداع عادة متجذرة في حياتها، مكّنتها من تحقيق إنجازات بارزة ساهمت في تقدم العلوم.
كان التزام الردادي بالبحث العلمي نموذجًا عمليًا للعادات الإيجابية التي تقود إلى التغيير. لم تكن العوائد الفورية هي دافعها، بل نظرتها الثاقبة نحو المستقبل وإيمانها بقيمة العطاء العلمي. قدمت بحوثًا علمية مبتكرة في مجال الكيمياء غير العضوية والجسيمات النانوية، ونشرت أبحاثها في مجلات علمية عالمية مرموقة.حصلت الردادي على براءات اختراع متعددة تُبرز قدرتها على تحويل الأفكار إلى تطبيقات واقعية. من أبرز اختراعاتها: (استخدام مستخلصات نباتية طبية لتحضير جسيمات نانوية صديقة للبيئة، ما يعزز مفهوم الكيمياء الخضراء, و تطوير مركبات علاجية باستخدام التمور السعودية، ما يُبرز الارتباط بين العلم والموارد المحلية)!
إن نجاح نجلاء الردادي يُلهمنا بأن العادات الإيجابية لا تصنع فقط أفرادًا ناجحين، بل تسهم في تغيير المجتمعات. اختارت الردادي أن تُسخر علمها لخدمة الإنسانية، وبرز ذلك في إنجازاتها التي تهدف إلى تحسين الصحة ومحاربة الأمراض باستخدام تقنيات مبتكرة.
حصلت الردادي على جوائز عدة، من بينها جائزة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن للتميز النسائي في العلوم الطبيعية، ووسام الابتكار والتميز، كما أُدرجت ضمن قائمة جامعة ستانفورد لأفضل 2% من علماء العالم الأكثر استشهادًا بأبحاثهم.
إن رحلة الردادي تعكس بوضوح فلسفة العادات الإيجابية كأداة لتغيير الذات وبناء المستقبل. العادة ليست مجرد سلوك متكرر، بل قوة خفية يمكن أن تُحول الطموح إلى واقع. حين يتجذر الالتزام في حياة الإنسان، يصبح الإنجاز نتيجة حتمية، ويصبح الإنسان نفسه مصدر إلهام للآخرين.
و بين الرغبة في التغيير والقدرة على تحقيقه، هناك عادات تشكل هذا الجسر. الإنسان الناجح هو من يختار عادات تعكس أفضل ما فيه، ويُدرك أن كل خطوة صغيرة نحو الأفضل تُمهد الطريق لحياة تزخر بالمعنى والتأثير. فكما أثبتت نجلاء الردادي، العادات الإيجابية ليست فقط أداة للنجاح، بل نافذة للإبداع والتأثير الإنساني العميق!