السلوك الإيجابي ليس مجرد تصرف فردي أو مجموعة من الأفعال الحسنة التي يقوم بها الإنسان في حياته اليومية، بل هو حالة ذهنية وروحية تنبع من الداخل لتنعكس على المحيطين به، مؤثرةً فيهم بطرق عميقة وبعيدة المدى. إنه فلسفة حياة متكاملة تُعبّر عن الوعي بالمسؤولية الفردية تجاه الذات والمجتمع، ويمثل جسرًا يربط الفرد بمحيطه، ليخلق تفاعلًا ديناميكيًا يتداخل فيه الاحترام، الحب، والوعي، مُسهمًا في بناء مجتمع متماسك ومتناغم.
في ظل هذه الرؤية، يمكننا استحضار تجربة الفنان السعودي القدير ” خالد عبد الرحمن” , الذي جسّد معاني السلوك الإيجابي في حياته الفنية والشخصية. منذ بداياته، لم يكن مجرد مطرب أو ملحن، بل كان رمزًا إنسانيًا وسفيرًا للأحاسيس والمشاعر التي يعيشها المجتمع. استطاع من خلال كلماته وألحانه أن يعبر عن آلام وآمال الناس، مما جعله يحقق ارتباطًا وثيقًا بجمهوره، ليصبح فنه مرآةً لقيم السلوك الإيجابي.
إن حصول الفنان “خالد عبد الرحمن ” على لقب “فنان الإنسانية” ليس مجرد تكريم لشخصه، بل هو انعكاس لقيم عميقة يحملها. ففي عالم يُقاس فيه النجاح غالبًا بالمعايير المادية، يبرز خالد كنموذج للفنان الذي تجاوز حدود الشهرة، ليصل بفنه إلى مستوى أعمق من التأثير الإنساني. لقد جعل من منصته الفنية وسيلة لتعزيز القيم الإيجابية، مُسلطًا الضوء على أهمية دور الفرد في تشكيل ثقافة مجتمعه.
تجلّت هذه القيم في مواقف خالد الإنسانية، ومنها مشاركته تجربته مع مرض الحزام الناري. لم تكن مشاركته مجرد سرد لتفاصيل شخصية، بل كانت رسالة واعية تدعو للتأمل في هشاشة الجسد الإنساني وأهمية الرعاية الذاتية. لقد حوّل معاناته إلى فرصة لنشر الوعي بأهمية الوقاية والكشف المبكر، مؤكدًا أن الألم، رغم صعوبته، يمكن أن يكون مصدرًا للإلهام ودافعًا للتغيير.
السلوك الإيجابي إذن هو نتاج تفكير واعٍ يتجسد في أفعال مسؤولة تضع مصلحة الفرد والمجتمع في إطار متكامل. فهو ليس مقتصرًا على الفنانين أو الشخصيات العامة، بل هو دعوة للجميع، من كل فئات المجتمع، للمساهمة في خلق بيئة إيجابية. الأسرة، باعتبارها النواة الأولى للمجتمع، تُعد حجر الزاوية في تعزيز هذه القيم، حيث يمكن أن تبدأ التوعية الصحية والاجتماعية من داخل البيت، لتنتقل إلى الدوائر الأوسع في المجتمع.
الفن، في هذا السياق، يلعب دورًا فريدًا باعتباره لغة عالمية قادرة على الوصول إلى القلوب قبل العقول. لقد أظهر خالد عبد الرحمن من خلال دعمه لحملات التوعية الصحية والاجتماعية أن الفن يمكن أن يكون أداة فعالة لتغيير المفاهيم ونشر القيم الإيجابية. المبادرات التي تجمع بين الإبداع والوعي، مثل الفعاليات الفنية وحملات التوعية، تُبرز كيف يمكن للإبداع أن يُسهم في بناء مجتمعات أكثر صحة وترابطًا.
إن الفلسفة الكامنة وراء السلوك الإيجابي ترتكز على إدراك أن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، وأن جودة حياته تتأثر بجودة علاقاته ومساهمته في محيطه. اختيارنا للسلوك الإنساني المناسب ليس مجرد قرار فردي، بل هو التزام تجاه الإنسانية جمعاء. كل فعل طيب، مهما بدا صغيرًا، يُحدث تأثيرًا يمتد إلى أبعد مما نتخيل، ليخلق دوائر من الإيجابية والوعي.
في الأخير تبقى تجربة خالد عبد الرحمن مثالًا حيًا على إمكانية أن يصبح الفن منصة للتغيير الإيجابي. إنها تذكرنا بأن السلوك الإيجابي ليس حالة عابرة أو مجهودًا مؤقتًا، بل هو أسلوب حياة يعيد تشكيل العالم من حولنا. نحن مدعوون جميعًا للتأمل في أفعالنا اليومية، لنُسهم بوعي في بناء مجتمع يزدهر بالحب والتعاون والتقدير المتبادل، ويترك إرثًا من القيم الإنسانية للأجيال القادمة!