العادات ليست مجرد تكرار ميكانيكي لسلوكيات يومية، بل هي الركائز التي تشكّل هويتنا الفردية والجماعية. مع كل عادة نتبناها، نخوض حوارًا داخليًا يعكس رؤيتنا لأنفسنا وللعالم من حولنا. إن بناء العادات الإيجابية ليس مجرد هدف عابر، بل هو رحلة تحتاج إلى وعي عميق وإرادة صلبة. وهنا تأتي البرمجة اللغوية العصبية (NLP) كأداة فعّالة تساعدنا على فهم أبعاد هذا الحوار الداخلي وإعادة تشكيله بما يخدم تطلعاتنا و أهدافنا!
تقوم البرمجة اللغوية العصبية على مبدأ محوري ، الأفكار ليست حيادية، بل تحمل طاقة هائلة تؤثر على مسار حياتنا. فالأفكار السلبية تُنتج عادات تُعيق التقدم، بينما تفتح الأفكار الإيجابية أبوابًا للإبداع والإنجاز. من خلال تقنيات مثل التصور الذهني، وإعادة صياغة الأفكار السلبية، واستعمال اللغة بوعي، يمكننا برمجة أنفسنا على تبني عادات إيجابية تدفعنا نحو التميز.
على أرض الواقع، نجد أمثلة مشرقة تُجسد كيف يمكن للعادات الإيجابية أن تكون أساس النجاح. رانيا نشار، المصرفية السعودية الرائدة، هي نموذج حي لهذا المبدأ. بفضل التزامها الدائم بقيم العمل الجاد والتطوير المستمر، تمكنت من تحقيق إنجازات بارزة في القطاع المالي، بدءًا من قيادتها لمجموعة سامبا المالية، وصولًا إلى دورها المؤثر في صندوق الاستثمارات العامة. لم يكن هذا النجاح صدفة، بل هو ثمرة لعادات إيجابية راسخة، مثل التخطيط، والانضباط، والسعي المستمر للتعلم. وهي عادات يمكن تعزيزها باستخدام تقنيات البرمجة اللغوية العصبية!
وعلى الجانب الآخر، نجد نموذجًا آخر في الإعلامية السعودية جمانا الراشد، التي أصبحت أول امرأة تشغل منصب الرئيس التنفيذي للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام منذ تأسيسها عام 1972 م . استطاعت الراشد، من خلال رؤية استراتيجية وعادات إيجابية كالإبداع والابتكار، قيادة المجموعة نحو توسعات ملحوظة. شملت إنجازاتها إطلاق مبادرات نوعية مثل مشروع “مانجا العربية”، وقناة “الشرق ديسكفري”، إلى جانب إتمام استحواذات استراتيجية عززت حضور المجموعة. هذه الإنجازات ليست مجرد نجاحات مهنية، بل هي دليل حي على قوة التفكير الواعي والمنهجي في بناء المستقبل.
إن بناء العادات الإيجابية يتطلب وعيًا ذاتيًا ورغبة حقيقية في التغيير. تبدأ الخطوة الأولى بتحديد العادات السلبية التي نرغب في التخلص منها واستبدالها بسلوكيات إيجابية. وهنا تأتي البرمجة اللغوية العصبية لتقدم لنا أدوات فعّالة مثل التوكيدات الإيجابية، وهي عبارات تحفيزية تُكرر بانتظام لتعزيز الثقة بالنفس ودعم السلوكيات المرغوبة.
التكرار أيضًا عنصر أساسي في بناء العادات الإيجابية. تُظهر البرمجة اللغوية العصبية أن تكرار السلوكيات الإيجابية يساعد على ترسيخها في العقل الباطن، مما يجعلها جزءًا طبيعيًا من حياتنا اليومية. إضافةً إلى ذلك، يلعب التصور الذهني دورًا هامًا؛ حيث يمكننا تخيل أنفسنا نمارس العادات الجديدة بنجاح، ما يعزز الدافع لدينا لتحقيق هذه الأهداف.
لكن بناء العادات الإيجابية ليس دائمًا سهلًا، فكثيرًا ما نواجه تحديات داخلية مثل الشك أو الخوف من الفشل. توفر البرمجة اللغوية العصبية استراتيجيات فعّالة للتغلب على هذه العقبات. على سبيل المثال، تساعدنا تقنية “إعادة التأطير” على النظر إلى التحديات كفرص للنمو والتعلم، بدلًا من اعتبارها عوائق تعرقل مسيرتنا.
إن بناء العادات الإيجابية هو فن يحتاج إلى ممارسة مستمرة وإصرار لا يتزعزع. تفتح البرمجة اللغوية العصبية أمامنا أبوابًا لفهم أعمق لأنفسنا، وتمكننا من إعادة تشكيل حياتنا وفق رؤى واعية. لنتعلم من النماذج الملهمة حولنا، مثل رانيا نشار وجمانا الراشد، ولنسعَ لصنع عادات تعكس أفضل ما فينا. النجاح الحقيقي يبدأ بقرار بسيط ولكنه عميق، أن نصبح أفضل نسخة من أنفسنا كل ثانية!