الكرم صفة من الصفات الحميدة بلا شك ولكن متى يقال للشخص أنه كريم؟ وهنا مربط الفرس حيث يكون الشخص قد لا يجد قوت يومه، ولكنه يجود مما يجد وأصبحت المقولة الجود من الموجود، وكانت العرب قديماً توجه بوصلة رحلاتها باتجاه دار القرية الكريمة او الشخص الكريم في وقت الشدائد، ومن الشخصيات الشهيرة بالكرم حاتم الطائي الذي أصبح اسمه أيقونة تختصر لك معنى الكرم إلى عصرنا هذا، وللكرم أوجه كثيرة عندما تعفو وتصفح عن الخصومة في مواقف القوة فهو من الكرم فعند فتح مكة وقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- على باب الكعبة، وقال (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ) وكما تغنوا العرب بالكرم ويقول الفرزدق:
يَا سَـائِلِي أَيْنَ حَـلَّ الجُـودُ وَالكَـرَمُ…
عِنْـدِي بَـيَـانٌ إذَا طُـلاَّبُـهُ قَـدِمُـوا
هَذَا الذي تَعْـرِفُ البَطْـحَاءُ، وَطْـأَتَـهُ…
وَالبَـيْـتُ يَعْـرِفُـهُ وَالحِـلُّ وَالحَـرَمُ،
وما حصل لي شخصياً أنني ذهبت يوماً ما إلى أحد متاجر بيع الوجبات اليمنية، وقدم لي العامل اليمني كأس شاي عدني كضيافة، وعندما لاحظت الأسعار وجدت ان سعره ريالين، وحضر بعدي عملاء كثيرون، ولاحظت بأنهم يشترون الشاي العدني بكثرة، فاعتقدت أنه تسويق للشاي وعند مغادرتي شكرته على حسن الضيافة، ولكنه في المرة التالية كرر نفس الفعل، وقدم لي شاياً عدني كضيافة، وأصبحت في حرج مما يفعل، ولكن هذا هو الكرم، وليس بغريب على أهل اليمن في كرمهم، وقد حاولت أن أتجنب الذهاب إليهم لعدم التكليف عليهم، ولكنها أصبحت عادة في كل مرة أذهب أجد هذا الكرم، وحاولت ان أطلب تجهيز الطلب قبل وصولي، ولكنه يصرّ على كرمه، ويقدم لي كأس الشاي العدني لآخذه معي خارج المحل، وهنا استشعرت مقولة “الجود من الموجود” إذ إن هذا العامل البسيط استطاع ان يكون كريماً بالشيء البسيط، وفعلا الجود من الشاي العدني وتحياتي لأهل اليمن فهم أهل كرم وجود.
