مقالات

الدولار والذهب – مطحنة إقتصادية

الدولار والذهب – مطحنة إقتصادية

تعرض الدولار الأمريكي في الشهور القليلة الماضية لتراجعات ملحوظة بفعل هدوء الفيدرالي في سياسته النقدية، حيث أن التراجع الفترة المقبلة لن يكون بسبب سياسة الفيدرالي النقدية فقط، إذ إن التحول نحو تكديس الذهب والتخلي عن الدولار بجانب الأزمات الداخلية في أمريكا سوف تضعف الدولار بمرور الوقت، ليفقد قوته في نهاية المطاف وهيمنته على المعاملات الدولية.

رفعت البيانات الأمريكية المعلنة في الفترة الأخيرة (بيانات الوظائف، بيانات أسعار المستهلكين والتضخم، بيانات التجزئة) من قيمة الدولار الأمريكي، لما لها من إيجابية في سياسة الفيدرالي بالتشديد النقدي في المستقبل ومحاولة لإعادة معدلات التضخم إلى 2%. من جهة أخرى، يرى العديد من الخبراء والمحللين الفنيين أن هذا الصعود للدولار هو ليس إلا تصحيح فني للموجات الهابطة التي استمرت لأسابيع. حيث تربع الذهب على عرش الأصول الاستثمارية الآمنة خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك لكونه الأداة الأكثر أمانا لحفظ وتعظيم الأموال، سواء كان ذلك بالادخار أو الاستثمار أو حتى المضاربة. يمثل الذهب بديلا مشروعا للدولار والأموال الورقية الأخرى. ومع تزايد الخوف من العقوبات، تدرك دول مثل الصين أنه يمكن تجميد احتياطيات الولايات المتحدة. وإذا انهار الدولار سيؤدي ذلك إلى تعزيز مكانة الصين باعتبارها أكبر منافس للولايات المتحدة على النفوذ العالمي. وستتعزز مكانة الصين دوليا مع تحول اليوان إلى عملة دولية، حيث تعمل الصين مع دول البريكس الأخرى (البرازيل وروسيا والهند) لقبول اليوان كوحدة حساب عالمية. ومع استياء الدول الثلاث بالفعل من الهيمنة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة، فإن تخلف الولايات المتحدة عن السداد سيدعم هذا الجهد.

ووفقا لأحدث البيانات المعلنة من جانب مجلس الذهب العالمي التي نشرت يوم الأربعاء الماضي، انتعشت واردات الصين من الذهب بقوة خلال النصف الثاني من عام 2022 لتسجل واردات الجمهورية الشعبية من المعدن الأصفر أعلى مستوى لها منذ عام 2018.

وفي هذا الصدد، ذكر التقرير الصادر عن مجلس الذهب العالمي أن واردات الصين من الذهب ارتفعت بنسبة 64% على أساس سنوي في العام الماضي، وعلى أساس شهري؛ بلغت واردات الصين من الذهب 157 مليون طن في ديسمبر السابق. كما أشارت البيانات الأخيرة، إلى أن إجمالي كمية الذهب المسحوبة من بورصة شنغهاي في يناير من هذا العام بلغ 140 مليون طن، بنسبة انخفاض تصل إلى 25% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ويذكر في هذا الشأن، أن بنك الصين الشعبي أعلن بوقت سابق من هذا الشهر، عن زيادة حيازته من الذهب للشهر الثاني على التوالي. واشترت الصين، في 2022 من سويسرا 524 طنا من الذهب، بحوالي 33 مليار دولار، وفقا لدائرة الجمارك السويسرية. وتعد هذه أكبر كمية في أربع سنوات. فقد ارتفعت واردات المعدن الأصفر بنسبة 48% (354 طنا) مقارنة بالعام 2021. وزادت واردات الصين من الذهب الروسي أيضا، فوفقا لدائرة الجمارك الفدرالية الروسية، اشترت بكين 6.6 طن من المعدن الثمين من موسكو، العام الماضي. وبلغ النمو 67% مقارنة بالعام السابق.

تمثل أزمة الديون التهديد الأكبر حاليا لقوة الدولار، إذ أن تخلف الولايات المتحدة عن سداد دينها يهدد بحدوث أزمة مالية عالمية وبتقويض الدولار، مما يوجه ضربة مدمرة للاقتصاد ‏الأميركي والعالمي. وبعد أن استعاد الجمهوريين الأغلبية في مجلس النواب في الانتخابات الأخيرة، هددوا بعدم السماح بزيادة سقف الدين ما لم يقترن بتخفيضات في الإنفاق، وتزيد هذه الخطوة من خطر وقوع الحكومة الأميركية في مأزق التخلف عن السداد.
إن خطر التخلف عن سداد الدين ينذر بعواقب وخيمة، ولنا في أغسطس 2021 عبرة، حيث أدى احتمال حدوث تخلف عن السداد في ذلك الوقت إلى خفض غير مسبوق للتصنيف الائتماني للدولة مما أضر بالمكانة المالية للولايات المتحدة وتسبب في خسائر ملحوظة.
بقلم المستشار الاقتصادي الدكتور محمد عبدالستار جرادات : [email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى