مقالات

في سلم الطائرة

أرسل لي صديق اليوم بهذه الأغنية ( في سلّم الطائرة ).ورغم أني قد سمعتها مرارا وتكرارا ولكن عند سماعها اليوم تداعت معها المعاني تداعيا حرا مطلقا حتى عطلة الصيف عام ١٣٩٩هـ وذلك عندما زارنا الوالد فيصل العتيبي يرحمه الله وزوجته ( خالتي آمنة وأبناؤه . وتوثقت العلاقة بشكل أقوى بيني وبين أبناؤه وخاصة فهد ابن خالتي الذي هو في سني وعمري !.
بدأت الرسائل بيننا عبر البريد من فينة لفينة واستمرت الرسائل بيننا ومع بعضها ترافق صورا لعائلته وصورا لي ولعائلتي وفي تلك الفترة مررنا كلانا بظروف متعددة وسفر وغير ذلك .وفي يوم ثلاثاء من شهر رجب من عام ١٤٠٢هـ عزمت على الرحيل والسفر إلى منطقة القصيم لأزور خالتي في مدينة بريدة . كنت حينئذ في أول سنة بكلية التربية – فرع جامعة الملك سعود .
كانت آخر زيارة لها وأبنائها لنا في بيش عام ١٣٩٩هـ . وبعدها غابت طويلا وكانت الرسائل عبر البريد هي التي توصل أخبارهم لنا وأخبارنا لهم . عندما كنت في أبها كنت أتواصل معهم عن طريق الرسائل أيضا رغم أن الهاتف الأرضي قد تم تشغيله في بيش.
أصبت بمرض ( العنقز ) وهو يسميه البعض الجدري المائي ، وقد خلف في وجهي بعض الآثار . بعد ذلك كان ذلك الأثر يمثل جمالا ووسامة في وجهي خاصة لما أتصور . في أول سنة بالكلية وقبل ذلك وأنا في آخر سنة بالثانوية كنت أستخدم الكحل في عيوني وكان شعري طويل واصل لكتوفي وكنت ( مجهف ) لذلك كنت أفرقه في النص ، كنت إذا لبست الشماغ والعقال والعيون المكحلة وبدا شعري منحدرا على كتفي وحبة العنقز قد سودت فبدت كشامة تزين وجهي من الجهة اليمني . وكنت في إحدى حدائق أبها البهية في ظهرية أحد الأيام مع زميل من ضمد فوجدنا مصورا باكستانيا رائعا في التصوير الفوري فطلبت منه أن يصورني وكان ثمن الصورة خمسة ريالات فعمل لي صورة ولكن أظهر فيها مرتين وأحمل في يدي وردة حمراء ، ظهر ضيف الله في الصورة مرتين كل واحد يناول الآخر الوردة وبدت العيون في أبها جمالها مع الكحل والشامة السوداء في أبهى ظهورها ، فكنت لو شاركت بهذه الصورة في مسابقة وسامة العالم لأخذت المركز الأول ، والصورة في شرقة وصاحبها له شرقة ههههههههههههه.
أرسلت لخالتي وأبنائها بالصورة ، فوجدت عندهم قبولا فأرسلوا لي رسائل متتالية يطالبوني بزيارتهم في بريدة .. كان عمري ١٨ سنة وبضعة أشهر .. استأذنت من أبي وأمي أزور خالتي في بريدة فقال الوالد يرحمه الله : ” هي ولدتك فزرها.. وأنت رايح عند أمك ، ووافقت أمي رغم خوفها علي ، لكنها وافقت “.
سافرت من أبها إلى الرياض جوا ومن الرياض إلى بريدة أيضا بالطائرة .. وصلت بعد صلاة العصر ، كانت بيوتهم تقع غرب بريدة ، بين المطار وبريدة ولما كنت راكبا في السيارة وبمحاذاة بيوتهم عرفتها من خلال الصور التي كانت تصلني منهم . قلت لسائق التاكسي وقف ، وحاسبته ونزلت أحمل حقيبة كنا نسميها في ذلك الوقت ( حقيبة دبلوماسية). مشيت جهة البيت ، وكانت خالتي في بيت جيران لهم جالسات مع بعض جيرانها وهن يشاهدنني وأنا لا أراهن .. يشاهدون شابا صغيرا في غاية النظافة والأناقة وقفت خالتي وجاراتها يسألنها: مالك ؟!
قالت : هذا ضيف الله ابن أختي – رغم أن آخر لقاء بيني وبينها عام ١٣٩٩هـ – . وهرعت تجري إلي وشاهدها فهد ابنها فجرى معها واستقبلوني استقبالا لم أجد مثله إلا استقبال أمي لي ليلة تخرجي في الجامعة.
وأكرموني كرما ما كنت أتوقعه وفي اليوم التالي عزموا كل حيهم ومعلمي مدرسة بالقرب منهم على غداء أعدوه لي بمناسبة زيارتي لهم . أخذوني لأماكن كثيرة ومناظر رائعة وسوقت معهم سوق الخميس في بريدة وكانت مواقف ضاحكة ومفرحة ، وبعد عصر يوم الجمعة ودعتهم وعدت إلى الرياض ثم أبها .. كانت الخطوط السعودية أثناء تحرك الطائرة في المطار تبث بعض الموسيقى التي تبهج وتفرح النفس ، فانبعث موسيقى ( في سلم الطائرة بكيت غصبا بكيت ) وكانت الطائرة تتحرك في المدرج للإقلاع فبكيت وبكيت وبكيت ورغم أن الموسيقى لم تعد تسمع بعد الإقلاع إلا أني ظليت أبكي حتى هبطت في مطار الرياض قبل أن يفتتح مطار الملك خالد حاليا . وانتظرت حوالي الساعة ، ثم غادرت لأبها ، الصديق أبو ماجد ومن طيبة نفسه أرسل لي أغنية في سلم الطائرة فسمعتها وتداعت معها كل المعاني والعمر والأيام الجميلة فجلست أتذكر تلك الأيام الجميلة سطورا عبر هذا الجهاز وتطبيق الواتساب . رحم الله من قد فارق دنيانا ورحم الله صوت الأرض الفنان طلال مداح ورحم الله صاحب كلمات أغنية في سلم الطائرة الشاعر الكبير يسلم بن علي .

د. ضيف الله مهدي

مستشار تربوي ونفسي وأسري واجتماعي - عضـو مشارك بـ صحيفة شفق الالكترونية
المدينة : جدة
الايميل : [email protected]
الجوال : 0501963560

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى