محليات

السلوك الإنساني وتعزيز القيم!!

بقلم: عيسى المزمومي

 

وسط زحمة الحياة وتسارع إيقاعها السريع، يجد الإنسان نفسه أمام تساؤلات وجودية كبرى: كيف أعيش حياتي وفق ما أؤمن به؟ وكيف أجعل أفعالي انعكاسًا لقيمي ومبادئي؟ هنا يظهر الترابط الوثيق بين التفكير الواعي والسلوك الإنساني، حيث يصبح الأول البوصلة التي توجه الثاني في مسار الحياة، والسلوك الإنساني ليس مجرد استجابات لحظية أو تصرفات عشوائية، بل هو انعكاس مباشر لمنظومة فكرية وقيمية تتجذر في أعماق الإنسان. هذه المنظومة تتشكل تدريجيًا عبر التجارب والمعتقدات التي تتراكم على مر الزمن، ومع انفتاح العالم وتشابك الثقافات، بات من الضروري أن يكون التفكير واعيًا وقادرًا على التمييز بين المؤثرات العابرة والقيم الراسخة التي تشكل جوهر الهوية الإنسانية!
إن التفكير الواعي ليس مجرد تحليل منطقي للأحداث أو تأمل عابر، بل هو فلسفة حياة تُبنى على إدراك الذات والعالم المحيط بها، فهو الشعور بالمسؤولية العميقة تجاه كل قرار نتخذه وكل خطوة نسيرها، والتفكير الواعي يتيح لنا مراجعة أنفسنا بصدق وطرح الأسئلة الكبرى: هل تعكس أفعالي صدقي؟ هل ترتقي سلوكياتي إلى مستوى القيم التي أؤمن بها مثل الأمانة، الاحترام، والرحمة؟
في عصر تسيطر فيه السرعة والتغيرات المستمرة، تبرز أهمية التفكير الواعي كحصن يحمي القيم من الاندثار، ويحولها إلى نبض حقيقي في كل تفاصيل الحياة، والتفكير الواعي ليس رفاهية، بل ضرورة تمكننا من التفاعل مع تحديات العصر دون التفريط بمبادئنا الأصيلة،إن السلوك الإنساني هو اللغة الصامتة التي يتحدث بها الإنسان عن ذاته ورؤيته للعالم، ويتفرع منه السلوك الإيجابي، مثل الاحترام والتعاون وتحمل المسؤولية، الذي ليس مجرد التزام اجتماعي، بل هو تجسيد لقيم عميقة تعبر عن تقدير الفرد لذاته وللآخرين!!
عندما ينطلق السلوك من تفكير واعٍ، يصبح أداة فعالة لبناء جسور المحبة والتفاهم بين البشر، ولزرع السلام في محيط الفرد ومجتمعه، لكن ماذا يحدث حين يغيب التفكير الواعي؟ يتحول السلوك إلى سلسلة من ردود الأفعال الفوضوية التي تفتقر إلى العمق أو القيم، وتصبح عرضة للتأثر بأي مؤثر خارجي عابر.
القيم ليست شعارات جامدة، بل هي روح الحياة التي تمنحها معناها العميق، إنها المبادئ التي تُبنى عليها العلاقات الإنسانية، والأساس الذي ترتكز عليه اختيارات الفرد، وفي ظل الانفتاح الثقافي وتعدد التأثيرات، تواجه القيم ضغوطًا هائلة، ومع ذلك، يبقى التفكير الواعي القادر على غربلة هذه المؤثرات واختيار ما يتماشى مع جوهر الإنسانية وهويتها الأصيلة، وبناء الذات يبدأ بتعزيز القيم وترسيخها في السلوك اليومي.وقيم مثل الصدق، التعاون، الأمانة، والاحترام ليست مجرد فضائل أخلاقية، بل أدوات تمكن الإنسان من الإسهام في مجتمع أكثر إيجابية واتزانًا، وعندما تتحول هذه القيم إلى أفعال واعية، تصبح السلوكيات رسائل حية تعبر عن إنسانية الفرد بأبهى صورها.
و على مر العصور، برزت شخصيات ألهمت العالم من خلال التزامها بقيمها وسلوكها الإنساني الواعي، ومن أبرز الأسماء السعودية الإبداعية التي جسدت هذا الالتزام الكاتبة والروائية الأستاذة “رجاء عالم” ، ابنة مكة المكرمة، المولودة عام 1956، والتي تخصصت في الأدب الإنجليزي، حيث أبدعت في توثيق البيئة المكية وتراث أهل الحجاز من خلال أعمالها الأدبية بأسلوبها السردي العميق ولغتها الآخاذة، كما عكست ثقافة غنية ومتنوعة وساهمت في تعزيز القيم النبيلة من خلال قلمها الصادق، ففازت بجائزة البوكر العربية عام 2011 عن روايتها “طوق الحمام”، وكانت مثالًا حيًا على الكيفية التي يمكن بها للسلوك الإنساني الواعي أن يساهم في بناء جسور بين الثقافات وتعزيز الهوية الإنسانية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكننا أن نعيد صياغة سلوكياتنا لتصبح مرآة تعكس قيمنا الأصيلة؟،والإجابة تكمن في الإيمان بأن التغيير يبدأ من الداخل، من الذات الواعية التي تدرك أهمية قيمها وتلتزم بها!!
إن التفكير الواعي والسلوك الإنساني ليسا مجرد أدوات لبناء الذات، بل هما رحلة يتعين فيها على الإنسان أن يختار: هل يعيش مستسلمًا للمؤثرات الخارجية، أم يصنع حياته بوعي وثبات؟ حين يتحلى الإنسان بالوعي في تفكيره والالتزام في سلوكه، يصبح قادرًا على مواجهة أي تحدٍ بثقة، ويترك بصمة مضيئة تدل على القيم التي يؤمن بها، ويساهم في بناء مستقبل مشرق له وللآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى