سباق الرحمة.. يوم أنقذ متزلجون وكلاب الأطفال من مرض قاتل
خلال شهر يناير 1925، تناقلت وسائل الإعلام الأميركية خبر مأساة عاشت على وقعها ألاسكا حيث تفاجأ الجميع لسماعهم بتفشي الدفتيريا (Diphtheria)، المعروف أيضا بالخناق، بمدينة نوم (Nome) التي قدّر عدد سكانها بأقل من ألفين والواقعة بأقصى غربي ألاسكا. وخلال السنوات القليلة الماضية، عانت هذه المنطقة من أهوال جائحة الأنفلونزا الإسبانية التي عصفت بنوم ما بين 1918 و1919 وتسببت في وفاة 50 بالمائة من سكانها الأصليين إضافة لنحو 8 بالمائة من السكان الأصليين لألاسكا.
وأمام الدفتيريا، تحدّثت وسائل الإعلام والمسؤولون المحليون في البداية عن وفاة عشرات الأطفال خلال فترة وجيزة كما أكدوا على إمكانية وفاة جميع سكان نوم والمناطق المتاخمة لها في حال عدم وصول جرعات الدواء بالوقت المناسب.
وأمام ارتفاع عدد الوفيات، أمر طبيب نوم السيد كورتيس ويلتش (Curtis Welch) الأهالي بملازمة بيوتهم ووضع المدينة بالحجر الصحي أملا في التخفيف من حدة انتشار الدفتيريا مؤكدا أن نجاة المنطقة مرتبط بحصولها على شحنة من المصل المضاد للمرض.
إلى ذلك، تواجد أقرب مخزن احتوى على المصل المضاد بمنطقة أنشوراج (Anchorage) التي كانت تبعد حوالي 1500 كلم عن مدينة نوم. وقد عجز المسؤولون عن نقل الدواء نحو المدينة الموبوءة بسبب تجمد المياه بالقرب من مينائها وعدم قدرة طائرات تلك الفترة على التحليق بمثل هذه المناطق الباردة جدا خاصة مع امتلاكها لقمرات قيادة عارية جعلت الطيارين عرضة للموت تجمدا بالجو.
وأمام هذا الوضع الصعب، جاء المسؤولون الأميركيون بفكرة مبتكرة لإنقاذ أهالي نوم لجؤوا من خلالها لاستخدام المزلجات التي جرّتها الكلاب والتي استخدمت عادة بهذه المنطقة لنقل البريد. وقد اقتضت الخطة حينها نقل المصل المضاد للدفتيريا عن طريق القطار نحو أقرب نقطة بلغتها السكة الحديدية لمدينة نوم وانتداب عدد من سائقي الزلاجات، المتواجدين بالقرى على طول الطريق بين مدينتي نوم ونينانا، لتوصيل الدواء ضمن مهمة إنسانية بدون مقابل لقّبت بسباق الرحمة بسبب تسابق الجميع مع الوقت لإنقاذ أكبر عدد ممكن من أهالي نوم ومنع تفشي المرض.
وخلال هذه المهمة تكفّل القطار بنقل حمولة بلغ وزنها 20 رطلا من المصل المضاد نحو محطة نينانا (Nenana) التي تبعد حوالي ألف كلم عن نوم كما أقدمت السلطات على تقسيم خط الرحلة نحو نوم بين العديد من سائقي الزلاجات الذين تكفّل كل واحد منهم بنقل الشحنة لمسافة معينة وتسليمها لزميله الآخر الذي انتظره بنقطة الالتقاء الموالية.
وخلال ليل 27 يناير 1925، استلم بيل شانون (Bill Shannon) حمولة المصل لينطلق مباشرة مستقلا زلاجته نحو النقطة التالية التي تواجدت على بعد أكثر من 80 كلم. أثناء سباق الرحمة، اضطر قادة الزلاجات وكلابهم لتحمل ظروف قاسية حيث قدّرت درجة الحرارة خلال تلك الفترة من السنة بخمسين درجة تحت الصفر كما غطت الثلوج والتضاريس الوعرة كامل الطريق نحو نوم. ولإيصال الدواء بالوقت المناسب، تنقل أصحاب الزلاجات وكلابهم أثناء النهار والليل دون الحصول على أقساط كافية من الراحة.
وخلال سباق الرحمة، برزت بعض الأسماء مثل القائد ليونهارد سيبالا (Leonhard Seppala) وكلبه طوغو، قائد مجموعة الكلاب، الذين قطعوا أطول مسافة قدرت حينها بحوالي 146 كلم كما ظهر للعالم اسم القائد غونار كاسن (Gunnar Kaasen) وكلبه بالتو (Balto) اللذين نقلا الشحنة نحو وجهتها الأخيرة بمدينة نوم ليستقبلا هنالك استقبال الأبطال.
وعلى حسب عدد من المصادر، شارك 20 سائق زلاجة ونحو 150 كلبا، فارق 6 منهم الحياة، بهذه المهمة الملقبة بسباق الرحمة والتي تمكنت من نقل المصل المضاد لنوم خلال خمسة أيام ونصف.
لاحقا، حيّت الولايات المتحدة الأميركية تضحية سائقي الزلاجات وكلابهم وقد كسب الكلب بالتو شهرة عالمية فتحول لأحد نجوم هوليوود كما شيد تمثال على شرفه بسنترال بارك بنيويورك.