• تعريف الصحة النفسية :
1ـ تعني أن يكون الإنسان سعيد ، وعلى علاقة طيبة بأسرته ، ومحبوبا من المحيطين به ، وناجحا في عمله ومتفائلا بمستقبله. وهذا ما يصعب الوصول إليه . فمن الناس من يقترب إلى تمام الصحة النفسية ، ومنهم من يصل إلى درجات قليلة أو كثيرة والعكس من ذلك يكون المرض النفسي.
ويتضح من ذلك أنه لا يمكننا الفصل بين الصحة النفسية والمرض النفسي ، فالصحيح نفسيا لا يختلف في النوعية عن المريض. وإنما المسألة نسبية ، فمن تغلب لديه عوامل الصحة النفسية يكون غير مريض ، ومن تغلب فيه عوامل المرض يُعرف بالمريض النفسي . وكل إنسان مهما صح نفسيا يحتوي في نفسه على عوامل مرضية .
2ـ حين نسعى وراء تحديد لمفهوم الصحة النفسية نجد أنفسنا أمام أكثر من تعريف واحد ، وتجاه أكثر من تحفظ ، ولكن نستطيع القول أنها : حالة إيجابية توجد عند الفرد ، وتكون في مستوى قيامه.
3ـ الصحة النفسية : هي حالة دائمة نسبيا يكون فيها الفرد متوافقا نفسيا ( شخصيا وانفعاليا واجتماعيا ، أي مع نفسه ومع بيئته ) ويشعر فيها بالسعادة مع نفسه ومع الآخرين ، ويكون قادرا على تحقيق ذاته واستغلال قدراته وامكاناته إلى أقصى حد ممكن ، ويكون قادرا على مواجهة مطالب الحياة وتكون شخصيته متكاملة سوية ، ويكون سلوكه عاديا بحيث يعيش في سلامة وسلام .
4ـ الصحة النفسية عموما هي : حالة السلامة المتكاملة في النواحي الجسمية والذهنية والانفعالية والاجتماعية ـ فالصحة ليست مجرد الخلو من الأمراض والانحرافات والتشوهات ، كما أنها ليست مجرد الخلو من الأمراض الجسمية وحدها ـ بل هي صحة في جميع جوانب التكوين الإنساني خلوا من مرض مع اللياقة البدنية والقدرات النفسية والذهنية المتوافقة والنشيطة في حياة اجتماعية سليمة منتجة ، ( هذه الصحة عموما ).
أمّا الصحة النفسية فإنها حالة دائمة نسبيا يكون معها الفرد الإنساني متوافقا نفسيا في قرارة ذاته ويشعر معها بالسعادة مع نفسه ومع الآخرين بحيث يكون قادرا على مواجهة مطالب الحياة ومشكلاتها في سلوك عادي.
5ـ الصحة النفسية هي : أعلى مستوى من التكيف السلوكي والانفعالي ، وليس مجرد الخلو من المرض أو الاضطراب.
6ـ الصحة النفسية : هي حالة ـ عقلية انفعالية سلوكية ـ إيجابية ، وليست مجرد الخلو من الاضطراب النفسي ، دائمة نسبيا ، تبدو في أعلى مستوى من التكيف النفسي والاجتماعي والبيولوجي حين تفاعل الفرد مع محيطه الداخلي ( ذاته ) ومحيطه الخارجي ( الاجتماعي والفيزيقي الطبيعي ) وحين تقوم وظائفه النفسية بمهماتها بشكل متناسق ومتكامل ضمن وحدة الشخصية.
وهذه تعاريف أخرى للصحة النفسية :
* الصحة النفسية هي : التوافق مع المجتمع وعدم الشذوذ عنه وعدم مخالفته.
* الصحة النفسية هي قدرة الإنسان على التطور.
* الصحة النفسية هي : توافق أحوال النفس الثلاث وهي حالة الأبوة ، وحالة الطفولة ، وحالة الرشد. على اعتبار أن الشخص السليم نفسيا يعيش بهذه الحالات في تناغم وانسجام و يحدث المرض النفسي عند اختلال هذه الأحوال وطغيان إحداها عن الأخرى.
* الصحة النفسية هي : القدرة على الحب والعمل ( أي حب الفرد لنفسه وللآخرين على أن يعمل عملا بناء يستمد منه البقاء لنفسه وللآخرين ) والمرض النفسي هو كراهية النفس والآخرين والعجز عن الإنجاز والركود رغبة في الوصول إلى الموت ومن العلماء من اعتبر أن المرض النفسي هو عدم التوافق الداخلي ورأى أن الصحة النفسية هي التوافق الداخلي بين مكونات النفس من جزء فطري هو الغرائز ( الهو ) وجزء مكتسب من البيئة الخارجية وهو الأنا الأعلى. وهذا التعريف له أصول إسلامية ، فالنفس الأمارة بالسوء تقابل الغرائز والنفس اللوامة تقابل الأنا الأعلى وحين يتحقق التوازن والتوافق بين النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة تتحقق الطمأنينة للإنسان ويوصف بأنه نفس مطمئنة .
• معايير الصحة النفسية :
هناك أربعة محكات أساسية نستطيع الاعتماد عليها في الحكم على تحقق الصحة النفسية ووجودها ، وهي :
1ـ الخلو من الاضطراب النفسي : وهو المعيار الأول الضروري لتوافر الصحة النفسية . ولكن مجرد غياب المرض النفسي لا يعني توافر الصحة النفسية ، لأن هناك معايير وشروط أخرى يجب توافرها ( هي الثلاث التالية ) .
2ـ التكيف بأبعاده وأشكاله المختلفة : التكيف النفسي الذاتي من حيث التوفيق بين الحاجات والدوافع والتحكم بها وحل صراعاتها . والتكيف الاجتماعي بأشكاله المختلفة ، المدرسي ، والمهني ، والزواجي ، والأسري.
3ـ تفاعل الشخص مع محيطه الداخلي والخارجي ( الإدراك الصحيح للواقع ) : ويتداخل هذا المعيار مع سابقه ، لأن عملية التكيف تجري حين يتفاعل الشخص مع بيئته الداخلية والخارجية . فالتفاعل مع المحيط الداخلي يتضمن :
4ــ فهم الشخص ذاته ومعرفة قدراته ودوافعه واتجاهاته . والعمل على تنميتها وتطويرها وتحقيقها . أما التفاعل مع المحيط الخارجي فيتضمن : فهم الواقع وشروطه ( ومتغيرات البيئة وظروفها ) ، والعمل على التوافق معه لإبعاد الخطر عن الذات وتعديل السلوك ليحدث الانسجام المطلوب ، وأخيرا العمل المنتج خلال سعي الفرد لتحقيق ذاته.
5ـ تكامل الشخصية : والتكامل بالمعنى العام هو انسجام الوحدات الصغيرة في وحدة أكبر ، أي اندماج عناصر متمايزة لما بينها من علااتاتات ، ويُقصد بتكامل الشخصية ( التناسق والتكامل ضمن وحدة الشخصية كما في التعريف ) هو : انتظام مقوماتها ، وسماتها المختلفة وائتلافها في صيغة وخضوع هذه المكونات والسمات لهذه الصيغة . فالشخصية المتكاملة هي الشخصية السوية ( دليل الصحة النفسية ) ، أما تفكك الشخصية وعدم تكاملها فهي الشخصية المضطربة ( دليل اختلال الصحة النفسية ) .
• شروط تكامل الشخصية :
1ـ ائتلاف سماتها ومقوماتها بحيث لا تشذ أو تنفصل واحدة عن غيرها ، ومن دلائل عدم الائتلاف :
أ ـ الخوف الشديد من أمور عادية .
ب ـ الإفراط في الإتكالية.
ج ـ المراعاة الشديدة للدقة وللنظام .
د ـ القلق المستمر .
2ـ خلو الشخصية من الصراعات النفسية .
3ـ تناسق الدوافع .
• علامات الصحة النفسية ومظاهرها :
المقصود بعلامات الصحة النفسية ومظاهرها ، أشكال السلوك التي يقوم بها الشخص ويعبر وجودها عن درجة صحته النفسية وتكيفه .
ما هي هذه العلامات والمظاهر ؟
هناك إجابات عديدة على هذا السؤال بعضها ناتج عن دراسات تجريبية ، وبعضها الآخر من الممارسة العيادية والعلاجية . ولكن جميع علماء الصحة النفسية يتفقون على المظاهر والعلامات التالية :
1ـ التكيف بأشكاله المختلفة : النفسي والبيولوجي ، والاجتماعي ( الزواجي ، والأسري ، المدرسي ، المهني .
2ـ الشعور بالسعادة مع الآخرين : ودليل ذلك ، حب الآخرين والثقة بهم واحترامهم ، وتكوين علااتاتات اجتماعية مُرضية ، والسعادة الأسرية ، والاستقلال الاجتماعي ، وتحمل المسؤولية .
3ـ فهم الذات وتحققها : لكل فرد منا قدرات وامكانات وسمات معينة ، وعليه أن يعي هذه القدرات والسمات بصورة واقعية كما هي . وأن يُدرك نواحي القوة والضعف فيه بحيث يتيح له ذلك استثمار نواحي القوة وتقبل نواحي الضعف . إن من أهم مظاهر اختلال الصحة النفسية ووجود الاضطراب عدم معرفة الشخص لقدراته ، إمّا تضخيمها ، أو تبخيسها ( إمّا مبالغة في تقديرها أو التهوين من شأنها ). فمن مظاهر الصحة النفسية تناسب وتجانس مستوى الطموح مع قدرات الفرد وإمكاناته الذاتية ، والعمل على استثمارها وتحقيقها عن قناعة ورضا.
4ـ مواجهة مطالب الحياة وأزماتها وإحباطاتها : فالحياة لا تخلو من مطالب وصعوبات وأزمات يجب على الفرد مواجهتها والتغلب عليها . فكلما كان معدل تحمل الإحباط عاليا ، كان ذلك دليلا على درجة عالية من الصحة النفسية.
5ـ النجاح في العمل : إن نجاح الفرد في عمله ورضاه عنه دليل توافر الصحة النفسية ومظاهر ذلك : رضا الفرد عن عمله ونجاحه فيه ، وميله له. ويركز علماء النفس المهني والصناعي على هذا الجانب من خلال الاهتمام بعمليتي الاختيار المهني والتوجيه المهني اللذين يهدفان إلى وضع الرجل المناسب في مكانه المناسب .
6ـ الاتزان الانفعالي والحفاظ على مستوى مناسب من الحساسية الانفعالية : أي النضج الانفعالي ، وتكافئ انفعالات الشخص مع مثيراتها . فعندما يفرح أو يحزن يجب أن يتناسب ذلك المثير أو الموقف المفرح أو المحزن ومثيراته ، وأن لا يكون الانفعال جامدا متلبدا ، ولا جامحا أو مسيطرا ، فضلا عن التناسب بين نوع المثير أو الموقف والاستجابة الانفعالية المناسبة . أي إذا كان الموقف والمثير محزن أو مزعج يجب أن تكون الاستجابة الانفعالية حزنا أو انزعاجا . وإذا كان مفرحا يجب أن يستدعي عنده الفرح ويفرح . إن عدم التجانس أو الاتزان هذا من أهم مظاهر اختلال الصحة النفسية وهي من أهم مظاهر بعض الاضطرابات النفسية ، وخاصة الانفعالية الوجدانية منها .
7ـ الإقبال على الحياة والمشاركة المناسبة في حياة المجتمع وتقدمه : فبما أن الفرد عضو في مجتمع ، فعليه أن يشارك ويعمل من أجله في أشكال من التعاون . يرافق ذلك الإقبال على الحياة والاستمتاع بالجمال. فمن علامات اعتلال الصحة النفسية أو اضطرابها الاحجام عن الحياة ، والتشاؤم واليأس ، كما في الاكتئاب مثلا .
8ـ التكامل النفسي : ودلائل ذلك : الأداء الوظيفي الكامل المتكامل المتناسق للشخصية ككل ( جسميا وعقليا وانفعاليا واجتماعيا ) ، والتمتع بالصحة ومظاهر النمو العادي .
9ـ السلوك العادي : ودلائل ذلك : السلوك السوي العادي المعتدل ، المألوف الغالب على حياة غالبية الناس العاديين . والعمل على تحسين مستوى التوافق النفسي ، والقدرة على التحكم في الذات وضبط النفس
.
10ـ العيش في سلامة وسلام : ودلائل ذلك : التمتع بالصحة النفسية والصحة الجسمية والصحة الاجتماعية ، والسلم الداخلي والخارجي ، والإقبال على الحياة بوجه عام والتمتع بها ، والتخطيط للمستقبل بثقة وأمل .
اضف تعليق