صحة

د. عبدالرحمن المتوكل استشاري الباطنية والكلى بالحمادي..في حديث حول: سوء التغذية ومرض الكلى المزمن، علاقة تبادليّة

يتردّد في حديثنا اليومي عنوان الغذاء باعتباره حاجّة ملحّة ترتبط باستمراريّة الحياة،ومؤشّراً أساسيّاً للبعد الاقتصادي للصحّة،وذلك على مستوى الفرد والمجتمع معاً. غير أنّنا كثيراً ما نغفل الفارق بين الغذاء والتغذية،وهو يماثل إغفالنا للفارق بين السبب والنتيجة،فالغذاء في حدّ ذاته قد يكون سبباً في الصحّة،أو مسبّباً للمرض.
وفي حديثنا اليوم نتناول البعد الصحّي من بوابّة التغذية،والتي تتطلّب العمل على تأمين الغذاء المأمون للفرد، والأسرة،وبالتالي تحسين المؤشّرات الصحّية الوطنيّة،ولايمكن أن يتحقّق الأمن الغذائي لأي دولة، مهما بلغت من الرخاء،دون التوقّف عن أنماطها الغذائيّة،وتحليل مؤشّراتها التغذويّة.
وهنا يأتي دور السلوك الصحّي القويم في اختيار الغذاء السليم،وفق معيار التوازن الذي رسمه الحقُّ تبارك وتعالى لنا، بقوله جلّ شأنه(وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَان)،والتوازن في الوجبة الغذائيّة يستلزم الوفاء بمتطّلبات الغذاء من حيث وظائف البناء،والطاقة، والوقاية،ولكل منها أغذيتها الصحيّة السليمة،والتي إن تم تناولها بمقدارها منحت الجسم الصحّة،والوقاية من الأمراض، ضمن مستوياتها الأوليّة والثانويّة والثالثيّة.
وفي سياق الوقاية الأوليّة نقف على عوامل الاختطار لمرض الكلى المزمن،والذي يُعرف أيضاً بالفشل الكلوي المزمن،والذي يحتمل عبئين، عبءٌ من الممكن أن نتفاداه، وعبء يصعب تفاديه،ولا مجال لمقارنة ما نتحكّم فيه من أعباء قابلة للاتّقاء، وتشتمل على السمنة،ومرض السكري،وارتفاع الضغط الشرياني،والتدخين،وتلك التي يصعب تفاديها مثل الوراثة، والتقدّم في العمر،ولاشكّ أن اتّباع أنماط التغذية الصحيّة سبيلنا إلى الصحّة،من خلال الحد من تناول السكرّيات، ومراقبة الوزن من خلال الحرص على الوجبة الخالية من الدقيق الأبيض واستبداله بالقمح بحبته الكاملة،والحد من تناول الملح،وعدم تناول الوجبات السريعة،والنشاط البدني المنتظم.
ومما يؤسف له أن إهمال أساب الوقاية الأوليّة يوصلنا إلى ما يُعرف بالأعراض المبكّرة لمرض الكلى المزمن، والتي تترافق مع ارتفاع معدّلات الشحوم والسكر في الدم، والبروتين في البول (زلال البول)،غير أنّ الفرصة لا تزال حاضرة للاستجابة الصحيحة لهذه التداعيات،من خلال التدخّلات التغذويّة السليمة،ومنها كما ذكر التقليل من تناول الملح،في مقابل الإكثار من الفاكهة والخضروات،وهي من أغذية الوقاية،مع عدم الإكثار من تناول الدهون.
ولاريب أنّ عدم الالتزام بهذه السلوكيّات الغذائيّة سيؤدّي إلى اضطراب في وظائف الكليتين،وارتفاع معدّل الترشيح الكبيبي المقدّر،وهي الحالة التي تسبق الفشل الكلوي،لاقدّر الله.
وتأتي التغذية السليمة لتمثّل تدخّلاً حيويّاً يساعد في السيطرة على المرض،من خلال التناول المعياري للسوائل والفاكهة والخضروات،وفق الوصفة الطبيّة،وخفض استهلاك البروتين الحيواني،والإكثار من تناول الدهون غير المشبّعة، والقمح بحبّته الكاملة،وفي حال الوصول إلى الفشل الكلوي فلا بدّ من اتّباع النظام الغذائي المناسب،والذي يقرّره الطبيب،ويشتمل على خفض السوائل،والتناول المعياري للغذاء المحتوي على البروتين، وهو من أغذية البناء،مع الاهتمام كذلك بالتناول المعياري لروابط الفوسفات مثل تلك المحتوية على الكالسيوم،أو الألمنيوم.
إنّ ما ذكر لا يلغي أهميّة عوامل الاختطار الأخرى والتي يمكن تفاديها،ومن ذلك التدخين، وحياة القعدة(حيث يظل الإنسان قاعداً في مكانه لفترت طويلة)،وقلّة النشاط البدني،والإفراط في استخدام الأدوية دون إرشادات طبيّة، لكنها جميعها تتكامل في تعزيز الصحّة،والتي تأتي التغذية في مقدّمة تدخّلاتها.
وبالتالي،فإن علاقة تبادليّة حاضرة بين التغذية ومرض الكلى المزمن،وتحقيق الصحّة يكون بفهم أسباب المراضة، والحضور الحقيقي لمفهوم الصحّة في كل تفاصيل حياتنا.
الصحّة نعمة،وقد علّمنا نبيّنا صلوات الله عليه وسلامه أهميّة حفظها من كل ما ينتهكها،وأعطاها المكانة الرفيعة في حياتنا حين قال: “سلوا الله المعافاة،فإنّه ما أوتي أحد بعد اليقين خيراً من معافاة”.
عافاكم الله. 
______
د.عبدالرحمن بن عباس المتوكل
استشاري الأمراض الباطنية والكلى بمستشفيات الحمادي بالرياض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى