مقالات

أحزان ممنوعة

 عندما قُتل كليب قال الحارث بن عباد البكري ذو الحكمة والسيادة في قومة صاحب المقولة المشهورة: “هذا أمر لا ناقة لنا فيه ولا جمل”، قال: “الدية عند الكرام الاعتذار”.

وعندما قُتل جبير ولد ابن عباد قال: “لأقتلن به عدد الحصى والنجوم والرمال”.

 وتحكي  زوجة الأديب الروسي(دوستويفسكي( ( ناغريغوريفنا)  بعد وفاة زوجها  تُرك جثمانه عدة أيام في شقته قبل أن يدفن ليودِّعه المعزون والوفود والأقارب.

إن ما عذَّبها طوال هذه الأيام هو الوفود التي جاءت لتعبِّر لها عن تعازيها. حيث كان الجميع يتحدثون عن الشخص الذي فقدته روسيا، ولم يُشر أحد إلى الشخص الذي فقدته أنا !

 وحین أراد أحد أعضاء الوفود الكثيرة أن يواسینی، فضلًا عن مواساة روسيا، تأثرت تأثرًا شدیدًا بحيث اختطفت يد هذا الشخص المجهول وقبلتها.

المغزى في نهاية الأمر أن مشاعرنا المختلفة هي استجابة لردود أفعالنا لما نعانيه من ظروف، وما نقاسيه في الحياة، وما نتعرض له من ضغوط.

شعورك بالآخرين يعتمد في المقام الأول على توظيف اللغة الإنسانية في الطريقة التي تستمع بها إلى ما يقولون وبأي طريقة تسمعها؟

ومن ثَمَّ يتدخل ذكاؤك العاطفي ودرجة إحساسك بالطرف الآخر، وهذا يحتاج منك جهد كبير في الإنصات لهم أولًا، ثم الاستماع لهم ثانيًا، وأخيرًا السماع لهم، وبعدها مهاراتك في التنبؤ لردود أفعالهم.

كل شخص يمرُّ بنا، وتجمعنا به ظروف الحياة، أو نقابله في مكان ما، لديه حكاية تنقصنا فصولها، مبهمة أحداثها، نهايتها مجهولة.

وحتى وإن لَاحت بعض التفاصيل إلا أن ما نجهل منها أكثر، وإن ظهرت سطور إلا أن ما خفي منها قد يكون الأهم، وإن تسلسلت أحداثها إلا أن بعض الفراغات فيها لها أثر.

أحيانا لا نحتاج لشخص يعطيك المظلة لتقيك المطر، إنما تحتاج لمن يبتل معك، فرغم نبل العطاء إلا أن الشعور أصدق، ورغم جمال الكلام يظل الفعل أبلغ.

إذا لم تستطع إدراك حجم الألم في قلب الشَّخص الذي أمامك، على الأقلّ صدَّق أنَّه يتألم كأصغر تصرُّف إنسانيّ، وإن لم تدخل دهاليز أحزانه فتيقن أنه يعاني منها، وإن لم تقرأ صفحات قصته فتأكد من أثرها.

صدَّق أنه يتألم وإن لم تتجول في أعماقه، وتيقَّن أنه مهتز وإن كان ظاهرة ثابت، واهتم بجرحه وكأنه ينزف داخلك، واعتنِ بروحه وكأنها تسكن فيك.

أعده للحياة بكلماتك اللطيفة. اجعله يشعر بقيمة، يؤمن بقدراته، يحب نفسه ويقبل عليها من جديد.

اجعل من نفسك بطلًا أسطوريًّا في ذاكرة بعض الأشخاص الذين قد لا يهتم بهم أحد، ومتعبي الحياة، ومستهلكي القوى.

ابحث عنهم ستجدهم من المتعبين في عزلتهم النفسية، أو من خذلتهم الفرص، أو من لامست أياديهم الأحلام ثم أفلتت منهم، ومن ضحكت لهم الأيام ثم عبست فجأة.

 

إذا لم تستطع أن تبعد الحزن عن قلوبهم شاركهم إياها، وإن لم تستطيع أن تمنع دموعهم فابكِ معهم.

 وفي ذلك تقول السيدة عائشة بعد حادثة الإفك: دخلت على امرأة من الأنصار وبكت معي كثيرًا دون أن تنطق كلمة، فقلت: لا أنساها لها.

شاركهم أحزانهم الممنوعة والتي لا يمكن إظهارها، وتدور تفاصليها داخل اسوار أرواحهم، ولا تسمعها إلا جدران غرفهم، وتحتضنها وسائدهم كل ليلة.

خلاصة الأمر، اجعل لإنسانية الجانب الطاغي فيك، إحساسك المبهر، عاملَ جذب لمن حولك، كلماتك لها أثر، مقابلتك لها انطباع، وجودك أمان.

 

في محيطك الخاص أو في مجتمعك أو في عملك. يقول الأستاذ عبد العزيز الجهني في ذلك: “ليس شرطًا أن تعطي الموظف ما يطلبه، لكن من الضروري أن تحسن مقابلته، وأن تنصت إليه، وأن تشعره باهتمامك.

أن تلبي طلبه هذا شيء يعود الى النظام والصلاحيات ومصلحة العمل وتقدير ظروفه، لكن إحسان المقابلة يعود إلى خلقك ومبادئك وما جبلت عليه. البعض سيئ في المقابلة وسيئ في طريقة إجابة الدعوة”.

وتأكد أنك في يوم ما ستكون في ذاكرة أحداهم وضعته الأقدار في طريقك قد يكون تلميذك في المدرسة ، أو موظف في دائرة عملك    ، أو قريب في محطيك .

                                                      

 

بقلم الكاتبة

أمل مطلق الحربي

 

زهير بن جمعه الغزال

مراسل شفق المنطقة الشرقية الأحساء 31982 ص ب 5855 موبايلي 00966565445111

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى