الثقافيةمقالات

كيف نواجه الصراعات النفسية ؟ .. د . ضيف الله مهدي

نواجه صراع ( الإقدام ـ الإحجام ) بعلاج ما يعانيه الشخص من تناقض وجداني حول الموضوع ، وهذا ليس بالأمر السهل في كثير من الأحيان . ويتبع في ذلك إمّا زيادة المحاسن وتقليل العيوب ، فتقوى الرغبة في الهدف ، ويقدم عليه ، أو زيادة عيوبه وتقليل محاسنه ، فتضعف الرغبة في الهدف ويحجم عنه . فمثلا الشخص الذي يرغب في عمل ما لما يحققه من مرتب ومميزات ، لكنه في نفس الوقت يكرهه لما فيه من أخطار ، يمكن علاج هذا التناقض بإبراز محاسن العمل أكثر من عيوبه فيقدم عليه ، أو إبراز عيوبه ومخاطره فيحجم عنه . كذلك الطالب الذي يرغب في النجاح ويخاف من الاختبارات ، يحل هذا الصراع بتحسين ظروف الاختبارات وتقليل ما فيها من توترات ورهبة ، فيقبل عليها ويحقق النجاح . والطفل الذي يحب السباحة ويخاف الماء ، يحل صراعه بتخصيص المكافآت والجوائز لتعلم السباحة ، فيقبل عليها ويتغلب على مخاوفه . والشاب الذي يرغب في أن يكون محاميا ، لكنه يخاف من مواجهة الناس يُعالج صراعه بتدريبه على التحدث أمام مجموعات صغيرة ، ثم أمام زملائه في الفصل ، ثم التحدث في حفل ، حتى يتغلب على هذا الخوف ويُقدم على عمل المحاماة ، وهكذا في بقية الأمور والصراعات . وعلينا تربية أولادنا على تحمل الصراع وتدريبهم على حله ، حتى ننمي عندهم القدرة على مواجهة الصراعات التي قد يتعرضون لها في مراحل حياتهم المختلفة . كما أن علينا مساعدة أولادنا وتلاميذنا على إدراك ما يعانونه من صراعات ، والاعتراف بها صراحة حتى يمكنهم حلها بسرعة ، قبل أن يصيبهم القلق والاضطراب النفسي ، وقبل أن يلجأوا إلى حلها بالحيل الدفاعية النفسية . كذلك وهو المهم استخارة الله سبحنه في حل الصراع ، وهو من السنن المؤكدة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سعادة ابن آدم استخارة الله ، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله له )، أخرجه احمد والحاكم وأبو يعلي وابن حبان والبزار بسندجيد والترمذي .
وعلى الإنسان الرضا بما كتبه الله فإنك تدعو الله فيما تحب ، فإذا وقع ما تكره فلاتخالف الله فيما أحب . قال داؤود عليه السلام : رب أي عبادك أبغض إليك ؟قال : {عبد استخارني في أمر فخرت له فلم يرض به } . لأن العلاقة بين العبد وربه لها تأثير كبير في التوفيق والإجابة ، وقد يختبر الله عز وجل العبد ليظهر صبره أو كفره أو رضاه أو سخطه فإن لله سبحانه و تعالى ألطاف خفية فيما يراه الناس مصيبة ، فكم من راسب في الاختبار تمكن من النجاح بتفوق في الإعادة ، وكم من فاشل في التعليم فتح الله له أبواب الرزق من حيث لا يحتسب ، فالله يصرف أمور الناس على ما يريد ، ولا تقاس العطايا الإلهية بالمكاسب الدنيوية ، فالله يحمي عبده من الدنيا كما يحمي أحدنا من يحبه من المخاطر ، ويعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ،ولا يعطي الدين إلا لمن يحب . فعليك أن تبذل أقصى جهدك في دراستك وعملك ودعوتك ،وألا تكل ّ ، واترك الأمر لجانب الله تعالى . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم:( المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا ، كان كذا وكذا ،ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ) أخرجه مسلم .
وإن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام قد دلنا ماذا نفعل إذا كنا في مثل هذه المواقف ، وذلك بإقامة صلاة الاستخارة .. قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : ( إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر ـ ويسمي حاجته ـ خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال : عاجله وآجله ـ فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال : عاجله وآجله ـ فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به) رواه البخاري .
فعلى الشخص الذي يكون محتار أن يصلي صلاة الاستخارة ويدعو بذلك الدعاء ثم ينام أو يذهب إلى عمله إن كان في غير وقت النوم ، فإذا شعر براحة وطمأنينة لذلك الأمر الذي سيقدم عليه فليعرف أن له فيه خير وليقدم .. أما إذا شعر أنه غير مرتاح له وقلبه مقبوض فليعرف أن ليس له فيه خير وليبتعد عنه .. وقد يصلي الشخص ، ولكنه لا يشعر براحة أو بخوف من ذلك الأمر ، يعني الأمور وسط ، فماذا يفعل ؟ عليه أن يصلي مرة ثانية ، وثالثة حتى يشعر بأحد الأمرين ، إما الراحة والطمأنينة والرغبة أو الخوف والوجل وعدم الرغبة .

د. ضيف الله مهدي

مستشار تربوي ونفسي وأسري واجتماعي - عضـو مشارك بـ صحيفة شفق الالكترونية
المدينة : جدة
الايميل : [email protected]
الجوال : 0501963560

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى