وباء هدد مستقبل أعظم الإمبراطوريات.. وقتل ملكها
ما بين 165 و180 بعد الميلاد، عاشت الإمبراطورية الرومانية في عهد كل من لوسيوس فيروس (Lucius Verus) وماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius) على وقع إحدى أسوأ موجات الأوبئة بتاريخ البشرية، حيث حلّ المرض، الذي اختلف العديد من المؤرخين حول نوعه، بروما قادماً من الشرق، ليتسبب خلال سنوات بوفاة الملايين من سكان الإمبراطورية، التي هيمنت حينها على مناطق واسعة بشمال إفريقيا والغال وشبه الجزيرة الأيبيرية والأناضول.
وبحسب عدد من الأبحاث المعاصرة، سجّل الوباء ظهوره لأول مرة خلال ستينيات القرن الثاني ببلاد الصين وانتشر منها نحو الغرب عن طريق الحرير والسفن التجارية. وما بين عامي 165 و166، تواجدت جيوش روما على مقربة من مدينة سلوقية على ضفاف نهر دجلة.
أثناء حصار هذه المدينة، انتقلت العدوى لأول مرة للجيوش الرومانية، فعادت إلى ديارها لاحقاً حاملة المرض الذي سرعان ما تفشى بالغال وبقية أرجاء الإمبراطورية. وأمام غياب تفسير علمي لتفشي الوباء حينها وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا، اتجه الرومان لحياكة عدة روايات حول المرض، منها تحدّث البعض عن فتح قبر مقدس بسلوقية وتسرّب المرض منه.
من جهة ثانية، مثل هذا الوباء مصدر اختلاف بين أغلب المؤرخين. فبينما صنّفه البعض على أنه طاعون تسببت به بكتيريا يرسينيا طاعونية، اتجهت الأغلبية لأخذ الوصف الذي قدّمه غالن (Galen)، الطبيب الإغريقي الذي عاصر المرض، بعين الاعتبار.
وتحدّث غالن عن أعراض تراوحت بين الحمى والعطش والتقيؤ والإسهال وآلام بالحلق وطفح جلدي، مؤكداً على استمرار هذه العلامات لنحو أسبوعين لتنتهي إما بالشفاء أو الموت. كما لفت إلى إصابة الإنسان بهذا المرض مرة واحدة بحياته، حيث لم تسجل أية إصابة جديدة في صفوف الذين شفوا منه. وأمام كل ما قدّمه، آمن العديد من المؤرخين المعاصرين أن هذا الوباء لم يكن سوى إما مرض الجدري أو الحصبة.
ووفق ما قدمه المؤرخ والسياسي الروماني – الإغريقي كاسيوس ديو (Dio Cassius)، سجلت الإمبراطورية الرومانية موجتين من هذا الوباء. فخلال الموجة الأولى، قدّر عدد الوفيات اليومية بروما بنحو ألفي حالة، أما بالموجة الثانية التي ظهرت بعد 9 سنوات وكانت أكثر فتكاً، فقد تجاوز عدد الوفيات اليومية خلال ذروة المرض الخمسة آلاف وانتشرت الجثث بشوارع العاصمة وظلت ملقاة أياماً في العراء قبل دفنها أو حرقها.
من جهة ثانية، أفرغ الوباء العديد من المدن الرومانية من سكانها وساهم، بحسب العديد من المؤرخين، في وفاة ربع سكان الإمبراطورية، أي نحو 15 مليون شخص. وقد كان من ضمن ضحايا هذا المرض الملك لوسيوس فيروس الذي فارق الحياة في ظروف صعبة عام 169 ليحصل بذلك أخوه غير الشقيق، ماركوس أوريليوس، على مقاليد السلطة ويحكم بشكل منفرد بعد أن تقاسم الحكم معه لسنوات.
إلى ذلك ورث ماركوس أوريليوس حينها إمبراطورية مترامية الأطراف، فعانى سنوات في الدفاع عنها بسبب مخلفات الوباء، حيث قضى المرض على أعداد كبيرة من الجنود وجعل روما فريسة سهلة لدى الشعوب الأخرى، خاصة الجرمانية التي حاولت التوسع بشمال الإمبراطورية أملاً في الحصول على مزيد من الأراضي.