مقالات

ابن مصيبيح

بقلم : عثمان الصالح

 

 

إن سفر المرء عن العاصمة – الرياض – يفقده الاطلاع على ماجرى .. وما يحدث فيها .. وكنت في المنطقة الشرقية وقد لا يطلع المرء على الصحف لانشغاله أو لأنها لا تصل اليه ولكن وبعد عودتي اليها علمت بوفاة احد القادة في التعليم والتربية واحدى الشخصيات التي عرفت في جميع الأوساط في القضاء وبين العلماء ورجال الأعمال وفي سائر مجتمعنا الطيب ذلك هو صالح بن محمد المصيبيح الذي عرفته ذا شخصية محببة لدى كافة الطبقات بما عرف عنه من دين وخلق ووطنية وصدق وبشاشة وظرف وتاريخ حافل من أول حياته إلى أن أقعده المرض وحال دونه ودون تلك الخصائص الطيبة التي تفرد بها.. كان يسافر سفرات الى مختلف البلاد بعامة والى البلاد العربية بخاصة فياتي الى بلده محذرا من نشر العادات السيئة والافكار الشاذة مناديا بإن يكون المرء المسلم ملتصقاً بآداب دينه غير متلق لغير الصفات المثلى للاخلاق الاسلامية وفضائل الحنيفية ملة ابراهيم ومحمد عليه الصلاة والسلام عرفته شخصياً بمدرسته و مدرسة ابيه في دخنة وكانت ملتصقة بالمسجد عام ١٣٥٩ هـ فوقفت والقرآن يطرق سمعي فكري .
وما علمت إلا ويفتح في المدرسة شاب متوسط القامة بشوش الوجه. حسن الملامح قوى الشخصية فسألني عن اسمي معرفته بي وبمن أنا أخدم عنده معلماً فاذن لي بالدخول وجلست قرابة الساعة واستمعت الى ثلاثة أمور : الأول.. استظهار القرآن من قبل شاب يقرؤه غيبا من السور الطوال الثاني – طالب حدثنا في آداب المشي إلى الصلاة للشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب.. وثالث يقرا علينا من ثلاثة الأصول للشيخ ايضا وهناك طلبة آخرون منهم من قرأ علينا من قصائد الشيخ سليمان بن سحمان وقصيدة لا اتذكر أولها ولكنها للشيخ محمد بن عثيمين العالم والأديب والشاعر بل شاعر الملك عبد العزيز. الذي لايزال شعره طرياً وقوله ندياً والشيخ سعد بن عبد العزيز الرويشد لم يزل به حفيا ينشدنا من أشعاره في النوادي ما يسعد النفس ويشرح الصدر بصوته الجميل وتعبيره اللطيف .. ونغماته المقبولة.. نعود الى فقيدنا رحمه الله فقد درس على يد رجال كبار ومواطنين اصلاء. ثم اني عاودت زيارة المدرسة لما لقيته من حرصهم على المعرفة واذكر انه قال في رحمه الله اكتب لنا من خطوط النسخ والثلث والرفعة بضعة سطور نجعل منها في مدرستنا وسيلة لتحسين الخط فكتبتها ودعاني رحمه الله إلى الغداء، ما انسى تلك القدوة التي عرفت بها الرياض الى اليوم.. واذكر ان ابن مفيريج ممن كان يذكره الراحل كثيراً ويمجده.. ولقد قلت له شخصياً الا تحب ان تتحدث مع الجزيرة الجريدة لتكون ضيفا عليها يوم الجمعة فكان مهذباً لطيفا وصريحا مؤدبا.. قال رحمه الله – يا اخي – هل اعجاب الناس بما ساذكره – فيما اذا اعجبهم – يزيدني في الآخرة مغفرة ورضوانا … قلت له أن اقلام الخلق اقلام الحق وان الرسول صلى الله عليه وسلم مرت عليه جنازة فذكرت بخير. فقال وجبت ومرت أخرى فذكرت بخلاف ذلك ا فقال وجبت .. الا تحب ياشيخ صالح ان يدعي لك .. فقال هذا تعبير وتحبير لا اوافق عليه، فان كنت عملت خيراً فهو مدون في صحائف عملي لا يزيده ابرازه في الصحف شيئا … وانا بما عملت سابقا راض
ولا اريد ان ينشر ولا أذكره …
ثم قال دعنا من هذا .. واخذنا نتجول في ميدان أخر
رحمه الله صورة من الرجل الصالح .. الرجل الصريح .. الرجل الصادق
الذي يقول الحق ولا يبال..
وقال أريد كلمة
تفيدني في اخرني وتنفعني امام الله تعالى. وكلمة الحق فيها لذة… وانا احب هذه الصراحة..
ورايته يوماً في مجلس إمام الحرم العم الشيخ عبد العزيز بن صالح وكان يحبه ويحترمه ولا يكاد يفارق جلساته العامة في المدينة. وكان العم برتاح لمجالسته ويستمع إلى أحاديثه ولكنه في نفس الوقت يعلم مافيه من مكامن الخير وحب اهله .. وكان يساله العم عن رحلته للعلاج الى لبنان ومقابلاته من السعوديين وغيرهم.. وماذا قال لهم وماذا قالوا له فكان مما اعجبه صراحته مع أولئك .. وكان مع اولاده اکثر نصحا واشد صراحة ولهذا فأولاده على جانب من الاخلاق وان كنت لم التق منهم إلا بالذين احدهما في زيارتي له الأخيرة في المستشفى لكني اسمع عنهم بأنهم على جانب كبير من الدين والخلق والصلاح والأصالة لاسيما وقد شيوا صغاراً في كنفه وكبارا بتوجيهه وابناء هذا البلد – وبخاصة الرياض – من كان فيها منذ القدم تدرك في حياتهم وفي سلوكهم القدوة وهكذا من عاش في بقعة فيها امجاد قيادية وامجاد علمية وامجاد تاريخية.. يعلق بفكره ما عرفوا به من خلق وعلم وصراحة وشجاعة.. وان اصدقاءه من كبار القوم كثيرون ومن الامراء من هو معهم دائما في زيارات حبيبة ومقابلات شخصية تتسم بالمحبة وذكرى الملك عبد العزيز وما سجله من الامجاد والفخار والقيادة التي تحدث عنها فقيدنا وله مع الملك سعود وفيصل وخالد رحمهم الله مقامات حسان ومقابلات فيها خير ومثل هذه المقابلات مع الملك فهد حفظه الله ورعاه أما العلماء فلا اعتقد ان احداً ألم باخبارهم واثارهم وصراحاتهم ومجالساتهم وعلومهم وصدق احاديثهم مثل راحلنا الغالي لو سجلت في مقابلات عامة منشورة لكانت عطراً ندياً وروضا وزهرا شنيا .. رحم الله الشيخ صالح بن مصيبيح المدرس والمربي والنديم والمحب والمواطن الصالح وبارك لنا في ابنائه وشكرا لهم على سلوكهم الحسن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى