اخبار المناطقمقالات

علم أسباب المرض الحلقة (٩) .. د . ضيف الله مهدي

سادسا ـ العوامل الثقافية والاجتماعية :
يتدخل المحيط الثقافي والاجتماعي في بناء شخصية الفرد ، وتحديد سلوكه . فهو المجال الذي يتحرك فيه ويتفاعل معه الفرد ، ويسلك باتجاهاته وقيمه .
وتقسم هذه العوامل إلى ثلاث فئات رئيسية وهي :
1ـ العوامل الحضارية الثقافية : وهي العادات والتقاليد والقيم والأعراف والمعايير التاريخية ، فهذه العوامل تؤثر بشكل غير مباشر في اضطراب الشخصية ، وفي بعض الحالات الخاصة تكون هي السبب المباشر لحدوث الاضطرابات واختلال الصحة النفسية والاضطرابات موجودة في كل الثقافات والمجتمعات ، ولا يوجد مرض خاص محدد في ثقافة أو مجتمع معين إلا أنه من الملاحظ كثرة بعضها في ثقافة معينة ، وقلتها في ثقافة أخرى فالإدمان على الكحول يكثر في المجتمع الايرلندي ، والهوس الاكتئابي يكثر في المجتمع النيوزيلاندي ، بينما يزداد الفصام في المجتمعات المتمدنة عنه في المجتمعات البدائية .
سؤال ـ كيف تؤثر العوامل الثقافية في تكوين الشخصية ؟
يمكن القول أن العوامل الثقافية تؤثر في تكوين الشخصية من خلال الوسائل والأساليب التالية:
أ ـ الأسلوب الذي يستخدمه الأهل في تربية الأبناء ، من حيث التغذية والنظافة ، والتعبير العاطفي ، والإعداد للحياة ، وأسلوب التعامل ، سواء من حيث التسامح والطيبة ، أو القسوة أو التذبذب في ذلك .
ب ـ القيم والمُثل السائدة ومما له دور هام في تكوين الأنا الأعلى عند الفرد .
ج ـ الظروف الاقتصادية والصناعية التي تؤثر كعامل اجتماعي وثقافي في الصحة النفسية للفرد ، وكذلك ظروف العمل والسكن والخدمات والتغيرات الاجتماعية .
د ـ الثقافة المريضة ، والتعقيد الثقافي ، وعدم توافق الفرد مع مجتمعه وثقافته ، وما يسودها من عوامل الهدم ، تولد الإحباط ، وتولد كذلك أشكالا عديدة من سوء التكيف .
هـ ـ التطور الحضاري السريع وعدم توافر القدرة على مجاراة هذا التطور ، والتغير السريع الذي يؤدي إلى قلة ميل الناس للراحة والاسترخاء ، وممارسة الهوايات ، بسبب الأعباء وكثرة المسؤوليات .
2ـ اضطراب التنشئة الاجتماعية : حيث أن التنشئة الاجتماعية هي عملية تعلم وتعليم ، تعمل على تشكيل السلوك الاجتماعي للفرد ، وإدخاله في ثقافة مجتمعه ، وتحويله من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي . فإذا كانت العوامل السابقة تشكل الإطار الثقافي والمحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد ، فإن التنشئة الاجتماعية هي الأسلوب الذي يدخل الفرد في ثقافة مجتمعه ، بحيث يتماشى معه .
وتتعرض التنشئة الاجتماعية لعدة عوامل تؤثر عليها وتخلق الكثير من الاضطرابات ، ومن هذه العوامل :
ــ الاضطراب داخل الأسرة ، كالعلاقة بين أفرادها .
ــ سوء التكيف مع المجتمع ، كالتنافس والصراع بين الأدوار .
ــ الحالة الصحة ، وسوء التكيف المهني .
3ـ الحضارة : في عصرنا الحاضر ، عصر التقدم والتطور الصناعي ، ننعم بهذا ، وهي نعمة كبيرة ، ولكن هذه النعمة لا تخلو من نقمة ، لأن التطور والتقدم يجب أن يصاحبه استعداد وتهيئة ، إضافة إلى أن سرعة التغير الاجتماعي تخلق ضغوطا نفسية لا يتحملها الكثيرون ، ومن هنا ظهر ما يسمى بــ( أمراض العصر ).
والعوامل الثقافية والحضارية لها دور هام تلعبه في حدوث الاضطرابات واختلال الصحة النفسية ، ونتيجة لهذا فقد أدى إلى نشوء فرع جديد وهام في علم النفس والطب النفسي ، وهو الاتجاه عبر الحضاري أو عبر الثقافي Transculturaa approach أو الدراسات عبر الثقافية Cross-Cultural Studies التي تركز على بحث أشكال السلوك السوي والمرضي واختلافها من مجتمع لآخر ، أو وجودها في بيئة ثقافية ذات طابع معين .

د. ضيف الله مهدي

مستشار تربوي ونفسي وأسري واجتماعي - عضـو مشارك بـ صحيفة شفق الالكترونية
المدينة : جدة
الايميل : [email protected]
الجوال : 0501963560

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى