الثقافيةمقالات

بين عقولنا وقلوبنا شعرة معاوية .. مهدي آل عثمان

إن من أجل النعم على الإنسان أن يكون صاحب عقل واعي وناضج يحكم به على الأشياء والتصرفات ويقيم الإنسان ذاته به .

ومما لا شك به كذلك أن يرزقك الله قلباً يستشعر الموجودات من حولك ويلين أو يقسوا تجاهها .

فالعقل هو سيد الموجودات في حياتنا، والمتحكم بأفعالنا وتصرفاتنا . به نفكر ونقرر، وننجز ونبدع، ونبني ونصنع . كما باستطاعة الفرد تسخيره لكل أمر شر إذا ما رغب صاحبه في ذلك، يدمر ويهدم، ويخطط ويدبر فهذا ما خلق من أجله،وهذا ما يجب أن يوظف له. وكلاً وما يستخدمه له .

أما القلب فهو سيد المشاعر والعواطف، وهو مستشارنا . به نحب ونكره، نغبط ونحسد، نحزن ونفرح، وبه نشعر وبه نحنوا ونقسوا، فهو المتحكم الأول والأخير في عالم أحاسيسنا، فهذا ما خلق من أجله، وهذا ما يجب أن يوظف له.

ولكن عندما يريد العقل شياً ما، يرفضه القلب. أو يحب القلب ما يأبى العقل له .
عندها تكون المتضادات والصراعات بين عقولنا وقلوبنا صراعات تدور رحاها في نفوسنا وضمائرنا غير ظاهرة للملاء والعيان . صراعات يصعب فيها التحكيم من هو المنتصر أو الكاسب للقرار . تتألم فيها القلوب وتتعطل فيها الأفكار . صراعات ليس لها رابح .

فكيف يتصالح القلب مع العقل وكيف يكون التوافق بين المشاعر والأفكار ؟
فإن قادتنا عقولنا بمعزل عن قلوبنا، أصبحنا أجساد بلا أحاسيس أو مشاعر .
وإن قادتنا قلوبنا بمعزل عن عقولنا، أصبحنا هائمين منساقين خلف مشاعرنا و أهوائنا .

فلا مناص الا بتوافق الإثنين حتى تستقر نفوسنا وتهدى وتكون سوية مستقرة . فما يقره العقل يجب أن يكون متوافق بالمشاعر . ومايستشعره القلب يجب أن يكون متوافق مع ما أقره العقل .

فإن تفرد العقل وحده قد يستطيع صاحبه السيطرة على كل شيء، ولكن لن يرضى بأي شيء، لأن من أوكل أمره إلى عقله، اعتقد القدرة على كل شي وخانته الثقة في عقله، ولن تكن لديه القناعة .

وان تفرد القلب وحده، قد يستطيع أي حدث السيطرة على صاحبه بالمشاعر التي سوف تتملكه وتهيمن عليه ويصعب على صاحبها الخروج منها .

أما بانصهار الإثنين معاً، في داخل النفس، ينتج عنه نفسا مستقرة متكاملة، نفسا مطمئنة واثقة، لأن عقلها يعمل بعمل القلب واستشعاره لما يوحي له القلب . ، وأهمية ذلك يعود على صلاح النفس البشرية. وذلك من قول الله تعالى:” أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلونبها أو أذان يسمعون بها، فإنها لا تعمى الابصار بل تعمى القلوب التي في الصدور” نعم “قلوب يعقلون بها” فالسر هنا هو أن نمتلك قلباً نعقل به وعقلاً ننبض به، ونعوذ بالله من عمى القلوب التي في الصدور، فلا نشقى بعدها.

فلندرب أنفسنا على وضع كل منهما في وظيفته التي خلق لها، فلا نجرد عقولنا من عاطفة قلوبنا، ولا نسلم أمرنا كله لقلوبنا، بل نوازن بينهما، لنكون ممن يبصرون ببصيرتهم ويعقلون بقلوبهم.

كاتبه :
مهدي آل عثمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى