جديد الاخبار

د.عادل الشناوي استشاري الأمراض الصدرية بمستشفيات الحمادي يكشف: كيفية تأثر الرئة بالارتفاعات،ومخاطرها على حياة الإنسان

 

الاحساء
زهير بن جمعه الغزال

تتكون الرئة من سلسلة أنابيب متفرعة تصبح أرق وأدق مع كل انقسام،وتنتهي إلى أكياس هوائية صغيرة تدعى «حويصلات »،وتتواجد في كل رئة حوالي 150 مليون حويصلة،تبلغ مساحتها السطحية نحو 70 متراً مربعاً (مساحة ملعب تنس تقريباً)،
وجدرانها رقيقة جداً،وتحيط بها شبكة أوعية دموية أدق تدعى «شعريات »،وعند تدفق الدم يتم تبادل الغاز من الهواء الموجود في الشعريات
والمساحة السطحية للحويصلات.
والتهوية هي حجم الهواء الذي يتم تنفسه شهيقاً (أو زفيراً) في كل دقيقة،حيث يستهلك الإنسان العادي نصف ليتر من الهواء في كل نفس، ويأخذ اثني عشر نفساً في كل دقيقة(ستة ليترات في الدقيقة).
وفي المرتفعات يزداد تنفس الإنسان نظراً لانخفاض الضغط الجزئي للأوكسجين في الهواء،حيث تقيس المستقبلات الكيماوية (الجسيمات السباتية) المتوضعة في الشرايين السباتية التي تحس بانخفاض نسبة الأوكسجين في الدم فترسل إشارة إلى مركز التنفس في الدماغ بزيادة التنفس،وينقل الدم ثاني أوكسيد الفحم من موقعه حيث تصنعه النسج(بعد استهلاكها الأوكسجين) إلى الرئتين،ومن هناك يتم زفره إلى الجو،وعندما ترتفع نسبة ثاني أوكسيد الفحم في الدم، فإن ذلك يحرّض الجسم على أن يأخذ نفسَاً،ولكن في قمة إيفرست يتنفس الإنسان بشكل أسرع،وبالتالي فإن قدراً أكبر من المعتاد من ثاني أوكسيد الفحم سيُطرد خارج الجسم،وهو ما يخفّض الضغط الجزئي لثاني أوكسيد الفحم في الرئتين ويوفر فراغاً أكبر للأوكسجين.ويصل ضغط ثاني أوكسيد الفحم في القمة إلى 10 وحدات فقط،بدلاً من 40 على مستوى سطح البحر.
تعايش الطيور مع الارتفاعات العالية
لماذا تستطيع بعض الطيور الطيران من مستوى سطح البحر إلى ارتفاعات تصل إلى 9000 مترٍ في أقل من يوم مع تحملها لنسب الأوكسجين المنخفضة؟ولماذا يظل عصفور الدوري متنبهاً ونشطاً عندما يتعرض لضغط ارتفاعات تصل إلى 6000 مترٍ،في الوقت الذي يمكن أن يصاب الإنسان في ارتفاعات كهذه بالغيبوبة؟إن رئة الطير قادرة على أن تستخلص أوكسجيناً أكثر من الهواء المستنشق وتطرد مع زفيرها ثاني أوكسيد فحم أكثر أيضاً. كما أن رئتي الطائر،وعلى الرغم من صغرهما،تتواصلان مع فضاءات الهواء الواسعة (جيوب تخزين الهواء) التي تمتد بين الأعضاء الداخلية
وفي عظام الجمجمة والهيكل العظمي.ناهيك عن أن للطيور قلوباً كبيرةً –بالنسبة لأحجامها–تضخ قدراً كبيراً من الدم في كل نبضة.
وكيف تأقلم سكان المناطق العالية مع وضعهم؟
إن أدنى ضغط جزئي للأوكسجين يمكن للإنسان أن يظل حياً معه-أي أعلى نقطة يمكن للبشر أن يعيشوا فيها أحياء دون مساعدة اصطناعية-هو 36 توراً(وحدة قياس الضغط الجزئي للأوكسجين)،وهو الضغط الذي يبلغ في رئتي متسلق جبال حسن التأقلم يقف على قمة إيفرست.وسكان المدن العالية،(3500 مترٍ)،تكون شفاههم وأظفار أصابعهم زرقاء وأصابعهم متخشبة بسبب زيادة الكريات الحمراء في أجسامهم،وبالتالي ترسُّب تلك الكريات في الشعيرات الدموية.
كما أن أجسامهم تكيفت مع الارتفاعات العالية،فصدورهم كبيرة وذوات أشكال برميلية و رئات أكبر تتناسب مع صدورهم،وحجم أجسادهم أصغر من مثيلاتها عند سكان المناطق الواطئة،بحيث أن معدل حجم رئاتهم إلى حجم أجسامهم يكون زائداً،كما أن قلوبهم أكبر مما يتيح إمكانية ضخ الدم إلى الجسم بكفاءة أكبر،ورئاتهم ذوات شعيرات دموية أكثر لتسهيل تلقي الأوكسجين وتسليمه،مع الإشارة إلى أن سكان المنخفضات الذين يولدون
ويترعرعون في المرتفعات العالية تظهر لديهم رئات أكبر لكن بدون ذلك الصدر البرميلي،أما سكان الأراضي الواطئة الذين ينتقلون إلى المرتفعات العالية عندما يبلغون سن الرشد،فلا يصلون إلى مستوى التأقلم الذي نجده لدى الناس الذين عاشوا هناك طوال حياتهم،حتى وإن أقاموا هناك لسنين عديدة.
بالإضافة إلى ذلك،يعاني صاعدو الجبال من مشكلات أخرى كالبرد والتجفف
وحرقة الشمس: فالهواء الأرق والأقل كثافة يجعل حجب الأشعة أقل،بالإضافة إلى الأشعة المنعكسة من الثلوج و الجليد،مايؤدي إلى حرقة شمس حادة.
كما تتناقص الرطوبة كلما ارتفعنا،بسبب انخفاض درجة الحرارة وانخفاض الضغط الجوي أي قلة بخار الماء في الهواء،وذلك بسبب التجفف الذي يزداد سوءاً بازدياد سرعة التنفس،ويصبح تعويض الماء الذي يتبخر من الرئتين أثناء التنفس ضرورياً،وذلك مشكلة أخرى تحتاج لحمل كميات من الماء للشرب (أو كميات من الوقود لإذابة الثلج و شربه)،أما بالنسبة للبرد فقد يتسبب في بتر أطراف أصابع أيدي أو أرجل المتسلقين،وهو ما يسمى «قضمة الصقيع ». فمن المعروف أن درجة الحرارة تهبط درجة مئوية واحدة تقريباً كلما صعدنا 100 مترٍ،ذلك أن التأثير العازل للجو يكون أقل بسبب رقة الهواء،وبالتالي فإن قدراً كبيراً من الحرارة ينفذ إلى الفضاء بوساطة الأشعة،أما نقصان درجة الحرارة فيتضاعف بفعل الرياح العالية التي تؤدي إلى عامل «برد الريح».
لماذا تتسبب الارتفاعات في نقص الأوكسجين؟
من المعروف أن كثافة الهواء تقل كلما صعدنا باتجاه الأعلى، و بالتالي يقل وزنه،ما يتسبب بانخفاض ضغطه كلما صعدنا. و على اعتبار أن الأوكسجين يشكل ما نسبته %21 من مكونات الهواء(غازات الهواء)، فإنه يتواجد في هواء الطبقات الواطئة أكثر من الطبقات العالية،ويساوي معدل كثافة الهواء على ارتفاع 6كم نصف معدل كثافته السطحية(على سطح البحر)،وعلى ارتفاع 20 كيلومتراً يساوي 1/ 11 منه. كما يقل الضغط الجزئي للأوكسجين الموجود في الشهيق كلما صعدنا تبعاً لانخفاض ضغط الهواء الذي يشكل الأوكسجين أحد مكوناته،وتبقى نسبة الأوكسجين نفسها(21 %) إلا أن ضغط الهواء(وبالتالي ضغط الأوكسجين) هو الذي ينقص.
أضف إلى ذلك أن التناقص النسبي في الضغط الجزئي للأوكسجين في الرئتين يكون في الارتفاعات العالية أكبر مما هو في الجو لأن الجسم يطلق قدراً مهماً من بخار الماء الذي يحد تواجده في الحويصلات الرئوية (وهي الجيوب الهوائية الصغيرة التي يتم فيها التبادل الغازي بين الهواء الموجود في الرئة والهواء المنحل في الدم) من الفراغ المتاح للأوكسجين،وهو الأمر الذي يصبح حدوثه متزايداً في الارتفاعات العالية؛فهواء الرئتين يُشبع–على أي ارتفاع –ببخار الماء الذي ينتجه الجسم،وهو ما يمكن رؤيته بجلاء في يوم بارد،حيث يتكاثف الهواء الخارج مع أنفاس الناس عندما يخرج من الرئتين إلى الهواء البارد، مشكلاً سحابة صغيرة.
وبسبب ذلك فإن الرئتين ستكونان مشغولتين تماماً ببخار الماء على ارتفاع 19000 متر دون أي فراغ للأوكسجين أو الغازات الأخرى،وهو مايسمى«الوذمة الرئوية »،ويرتفع الكسر العشري للضغط الغازي في الرئتين والعائد لبخار الماء من 6% على مستوى سطح البحر إلى 19 % على قمة إيفرست التي تُعد بارتفاعها 8848 متراً أعلى جبل على الأرض.
وهكذا فإن الارتفاع الذي يمكن للبشر أن يصعدوا إليه مع المحافظة على نسبة الأوكسجين العادية للرئتين (بأخذ الأوكسجين النقي الإضافي) هو 10400 مترٍ،
وهو الارتفاع الذي تسير عليه معظم الطائرات التجارية على أنه يمكن للإنسان أن يعيش على ارتفاعات أعلى من ذلك لأن تزايد التنفس(وهو النتيجة الحتمية للتواجد في الارتفاعات العالية)يطلق بعضاً من ثاني أوكسيد الفحم الموجود في الرئتين،مما يوفر فسحة أكبر للأوكسجين.
ولكن فوق 12200 – 13700 مترٍ يمكن أن يحدث نقص حاد في الأوكسجين ويفقد الإنسان الوعي،أما فوق 18900مترٍ فإن الدم يفور (يتبخر)بحرارة الجسم نفسها، و هو ما يفسر ضرورة ارتداء بذلة أو الحاجة إلى حجرة مضغوطة ذات إمدادات من الهواء محتواة بداخلها،وذلك على الارتفاعات العالية جداً أو في رحلات الفضاء.
ما هي مخاطر نقص الأوكسجين على الطيران؟
وهكذا تطير معظم الطائرات التجارية على ارتفاع 10400 مترٍ. و لكن إذا انفتحت نافذة أو باب على ارتفاع كهذا،فإن ذلك سيرافقه صوت عالٍ للهواء وهو يندفع خارج الحجرة إلى أن يتوازن الضغط في الداخل مع الضغط الخارجي،وسينتج عن ذلك تدفق الأشياء الخفيفة وغير المثبتة(والمسافرين غير المثبتين بأحزمة المقاعد) مع الهواء إلى الخارج فيما تمتلئ حجرة الطائرة بضباب خفيف مع هبوط في درجة الحرارة إلى أن تساوي مثيلتها في الخارج مما يؤدي إلى تكثف بخار الماء في الهواء،ويتوجب على المسافرين ارتداء أقنعة الأوكسجين بسرعة وإلا سيفقدون وعيهم خلال 30 ثانية بسبب هبوط الأوكسجين في رئاتهم،مع الإشارة إلى أن أبواب الطائرات ذوات المحركات النفاثة أو المحركات المروحية التوربينية،والتي تطير عادة على ارتفاعات عالية تبلغ 30000 قدمٍ وما فوق (حوالي 10000 مترٍ) من شبه المستحيل أن تنفتح أبوابها، لأن أبوابها تكون مؤمنة تماماً بفعل الضغط الجوي العالي داخل المقصورة، والذي يعادل الضغط الجوي على ارتفاع ستة آلاف قدم،أي أن الضغط الجوي داخل الطائرة أكبر من الضغط الجوي الخارجي عند تلك الارتفاعات العالية،وذلك يشكل ما يشبه السدادة،حيث إن أبواب الطائرات صممت على أن تأخذ عند فتحها حركة شبه دوران للداخل و من ثم للخارج.
إن الحد المسموح به للطيران بلا أوكسجين في حجرة غير مضغوطة هو 3000 متر ( 12500 قدمٍ) فوق سطح البحر، و ذلك على الرغم من أنه يتم استخدام الأوكسجين عادةً من ارتفاع 2400 مترٍ لضمان هامش سلامة جيد. على أنه يجب التفريق هنا بين الشخص المدخن وغير المدخن:بالنسبة للمدخنين فإن آثار و عوارض نقص الأوكسجين تبدأ عند ارتفاعات أقل مما تظهر عليه عند غير المدخنين،وذلك بسبب عدم قدرة رئة المدخن على استيعاب الكميات اللازمة من الأوكسجين بسبب انسداد حويصلات الرئة…إلخ.
وتختلف عوارض نقص الأوكسجين من شخص لآخر، ولكن قد تبدو بشكل عام عند المدخنين عند ارتفاع 8000 قدمٍ( 2700 مترٍ) عن سطح البحر، أي قبل أربعة آلاف قدم من بدء ظهورها على غير المدخنين.
كما أنه في كل طائرة نقل يُزوّد كل من الركاب
والطيارين والمضيفات بأقنعة الأوكسجين،حيث يوجد قناع أوكسجين فوق كل مقعد
وحتى داخل دورات المياه لاستخدامها في حالة تسرّب الضغط الداخلي للطائرة إلى الخارج،حيث تسقط هذه الأقنعة آلياً عند وصول ضغط مقصورة الطائرة إلى مستوى معين،أويتم سحبها يدوياً من قبل الراكب،وذلك بهدف تزويد الركاب بالأوكسجين إلى حين نزول الطائرة إلى الارتفاع الذي يستطيع فيه الركاب التنفس الطبيعي دون الحاجة إلى هذه الأقنعة.
ويُنصح الطيارون للتخفيف من حدة تأثير نقص الأوكسجين المحافظة على نسبة السكر في الدم،وتناول وجبة الفطور إذا كان سيطير لوقت طويل،وتناول الأغذية التي تحتوي على الفيتامينات وخاصة فيتامين “A”،والنوم الكافي،وتحاشي التدخين
والإجهاد الجنسي وشرب الكحول قدر الإمكان.
ما هي الارتفاعات التي تشكل خطراً على حياة الإنسان؟
يحدد الارتفاع العالي،وعلى نحو اعتباطي، بأنه الارتفاع الأعلى من 3000 مترٍ فوق سطح البحر،إلا أن قرابة 15 مليوناً يعيشون فوق هذا الارتفاع في مناطق جبلية حول العالم،كما أن كثيراً من الناس الآخرين يزورون ارتفاعات تربو على 3000 مترٍ كل سنة بغرض التزلج أو السياحة والتجوال أو التسلق. على أن الحد الذي يمكن فيه للإنسان أن يعيش فترة مديدة من الزمن ربما تكون 5800 مترٍ عن سطح البحر،لأن الحياة في ارتفاعات كهذه مشحونة بالمصاعب،مثل البرد والجفاف والإشعاع الشمسي المكثف،إلا أن أهم سبب هو انخفاض نسبة الأوكسجين في الهواء،وهو ما أطلق عليه القدماء «دوار الجبال » دون أن يعرفوا سببه الرئيسِ المتمثل بنقص الأوكسجين.
إن النقص في هواء الارتفاعات يعني أنه يحوي أوكسجيناً أقل،وذلك يثير مشكلة كبيرة للإنسان الذي يحتاج باستمرار إلى الأوكسجين ليزود به خلايا جسمه التي يحترق الأوكسجين داخلها جنباً إلى جنب مع الأغذية وكمائيات الفحم لإنتاج الطاقة،والخلايا التي تبذل جهداً أكبر،كالخلايا العضلية مثلاً،تحتاج إلى أوكسجين أكثر نسبياً.
على كل حال،فإن الارتفاع فوق 4800 -6000 متر يجعل من المستحيل على الإنسان تحقيق مزيد من التكيف،أما الصعود فوق 7900 متر(منطقة الموت) فيسبب عطباً جسدياً سريعاً
وينبغي أن يقتصر على بضع ساعات،ولذلك تقام مخيمات حملات صعود إيفرست على ارتفاعات أدنى من ذلك الارتفاع،ثم يتم الصعود في اندفاعة نهائية تتم في أقصر فترة ممكنة.
_____
د.عادل بن عبدالتواب الشناوي
استشاري الأمراض الصدرية
بمستشفيات الحمادي بالرياض

زهير بن جمعه الغزال

مراسل شفق المنطقة الشرقية الأحساء 31982 ص ب 5855 موبايلي 00966565445111

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى